وعن محمد بن إسحاق (١) عن رجل من أهل مصر اسمه القاسم بن قزمان : أن زياد ابن جزء الزبيدى حدثه وكان فى جند عمرو بن العاص ، قال : افتتحنا الإسكندرية فى خلافة عمر ، فلما افتتحنا باب اليون تدنينا قرى الريف فيما بيننا وبين الإسكندرية قرية قرية ، حتى انتهينا إلى بلهيب وقد بلغت سبايانا مكة والمدينة واليمن ، فلما انتهينا إلى بلهيب (٢) أرسل صاحب الإسكندرية إلى عمرو بن العاص : إنى قد كنت أخرج الجزية إلى من هو أبغض إلىّ منكم يا معشر العرب ، لفارس والروم ، فإن أحببت أن أعطيك الجزية على أن ترد علىّ ما أصبتم من سبايا أرضى فعلت ، فبعث إليه عمرو : إن ورائى أميرا لا أستطيع أن أصنع أمرا دونه ، فإن شئت أن أمسك عنك وتمسك عنى حتى أكتب إليه بالذى عرضت علىّ ، فإن قبل ذلك منك قبلت ، وإن أمرنى بغير ذلك مضيت لأمره. قال : فقال : نعم. فكتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب يذكر له الذي عرض عليه صاحب الإسكندرية. قال : وكانوا لا يخفون علينا كتابا كتبوا به ، ثم وقفنا ببلهيب وفى أيدينا بقايا من سبيهم ، وأقمنا ننتظر كتاب عمر حتى جاءه ، وقرأه علينا عمرو وفيه :
«أما بعد : فإنه جاء فى كتابك تذكر أن صاحب الإسكندرية عرض عليك أن يعطيك الجزية على أن ترد عليه ما أصبت من سبايا أرضه ، ولعمرى لجزية قائمة تكون لنا ولمن بعدنا من المسلمين أحب إلىّ من فيء يقسم ، ثم كأنه لم يكن ، فاعرض على صاحب الإسكندرية أن يعطيك الجزية ، على أن تخيروا من فى أيديكم من سبيهم بين الإسلام وبين دين قومه ، فمن اختار منهم الإسلام فهو من المسلمين ، له ما لهم وعليه ما عليهم ، ومن اختار دين قومه وضع عليه من الجزية ما يوضع على أهل ذمته ، فأما من تفرق من سبيهم بأرض العرب وبلغ مكة والمدينة واليمن فإنّا لا نقدر على ردهم ، ولا نحب أن نصالحه على أمر لا نفى له به».
قال : فبعث عمرو بن العاص إلى صاحب الإسكندرية يعلمه الذي كتب به أمير المؤمنين ، فقال : قد فعلت ، فجمعنا ما فى أيدينا من السبايا ، واجتمعت النصارى ، فجعلنا نأتى بالرجل ممن فى أيدينا ، ثم نخيره بين الإسلام وبين النصرانية ، فإذا اختار الإسلام كبرنا تكبيرة لهى أشد من تكبيرتنا حين تقتحم القرية ، ثم نجوزه إلينا ، وإذا اختار النصرانية نخرت النصارى وحازوه إليهم ، ووضعنا عليه الجزية ، وجزعنا من ذلك جزعا
__________________
(١) انظر : الطبرى (٤ / ١٠٥ ، ١٠٦).
(٢) بلهيب : قرية من قرى الريف ، يقال لها : الريش. انظر : الطبرى (٤ / ١٠٥) ، معجم البلدان (١ / ٤٩٢).