عمرو بذلك إلى عمر بن الخطاب ، فأمره أن يبعث إليه شريكا ، فأقرأ عمرو شريكا الكتاب ، فقال له شريك : قتلتنى يا عمرو قال : ما أنا قتلتك قال : أنت صنعت هذا بنفسك قال : فإذا كان هذا من رأيك فأذن لى فى الخروج إليه من غير كتاب ، ولك علىّ عهد الله أن أجعل يدى فى يده ، فأذن له ، فلما وقف على عمر قال : تؤمننى يا أمير المؤمنين؟ قال : ومن أى الأجناد أنت؟ قال : من جند مصر ، قال : فلعلك شريك بن سمى الغطيفى؟ قال : نعم ، يا أمير المؤمنين ، قال : لأجعلنك نكالا لمن خلفك ، قال : أو تقبل منى ما قبل الله من العباد؟ قال : وتفعل؟ قال : نعم ، فكتب إلى عمرو بن العاص : إن شريك ابن سمى جاءنى تائبا فقبلت منه.
وعن الليث بن سعد (١) قال : سأل المقوقس عمرو بن العاص أن يبيعه سفح المقطم بسبعين ألف دينار ، فعجب عمرو من ذلك وقال : أكتب فى ذلك إلى أمير المؤمنين ، فأجابه عمر عن كتابه إليه فى ذلك : سله لم أعطاك به ما أعطاك ، وهى لا تزدرع ولا يستنبط بها ماء ولا ينتفع بها. فسأله عمرو ، فقال : إنا لنجد صفتها فى الكتب أن فيها غراس الجنة ، فكتب بذلك إلى عمر ، فأجابه : إنا لا نعلم غراس الجنة إلا المؤمنين ، فأقبر فيها من مات قبلك من المسلمين ولا تبعه بشيء. فكان أول من دفن فيها رجل من المعافر يقال له : عامر ، فقيل : عمرت.
قالوا (٢) : ولما استقامت البلاد وفتح الله على المسلمين ، فرض عمرو بن العاص لرباط الإسكندرية ربع الناس ، يقيمون ستة أشهر ثم يعقب بعدهم ربعا آخر ستة أشهر ، وربعا فى السواحل ، والنصف الثانى مقيمون معه.
وقيل : كان عمر بن الخطاب يبعث كل سنة غازية من أهل المدينة ترابط بالإسكندرية وكانت الولاة لا تغفلها ، ويكثفون رابطتها ، ولا يأمنون الروم عليها.
وكتب عثمان بن عفان ، رضياللهعنه ، وهو خليفة إلى عبد الله بن سعد بن أبى سرح بعد أن استعمله على مصر :
قد علمت كيف كان هم أمير المؤمنين بالإسكندرية ، وقد نقضت مرتين ، فألزم الإسكندرية رابطتها ، وأجر عليهم أرزاقهم ، وأعقب بينهم فى كل ستة أشهر.
وكان عمرو بن العاص يقول : ولاية مصر جامعة تعدل الخلافة ، وقال : نيل مصر سيد
__________________
(١) انظر : فتوح مصر وأخبارها لابن عبد الحكم (ص ١٥٧).
(٢) انظر : فتوح مصر وأخبارها لابن عبد الحكم (ص ١٩٢).