قال : اقصص عليهم ما أخبرتنى به ، فتلكأ عبد الله بدأ ، ثم تكلم بكلام أعجبهم.
ويروى عن ابن شهاب (١) أن عثمان لما قال لابن الزبير أتكلم الناس بهذا؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، أنا أهيب لك منى لهم ، فأمر عثمان فجمع الناس ، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، وكان أكره شيء إليه الخطب ، وأحب الأشياء إليه ما كفى ، ثم قال : أيها الناس ، إن الله قد فتح عليكم إفريقية ، وهذا عبد الله بن الزبير يخبركم بخبرها إن شاء الله ، ثم جلس على المنبر.
وقام ابن الزبير إلى جانب المنبر ، وكان أول من قام إلى جانبه ، فقال : الحمد لله الذي ألف بيننا بعد الفرقة ، وجعلنا متحابين بعد البغضة ، والحمد لله الذي لا تجحد نعماؤه ، ولا يزول ملكه ، له الحمد كما حمد نفسه ، وكما هو أهله. ابتعث محمدا صلىاللهعليهوسلم فاختاره بعلمه ، وائتمنه على وحيه ، فاختار له من الناس أعوانا قذف فى قلوبهم تصديقه ، فآمنوا به وعزروه ووقروه ونصروه ، وجاهدوا فى الله حق جهاده ، فاستشهد الله منهم من استشهد على المنهاج الواضح والبيع الرابح ، وبقى منهم من بقى ، لا يأخذهم فى الله لومة لائم.
أيها الناس ، رحمكم الله ، إنا خرجنا للوجه الذي قد علمتم ، فكنا مع خير وال ولى فحمد ، وقسم فعدل ، لم يفقد من بر أمير المؤمنين شيئا ، كان يسير بنا البردين يخفض بنا فى الظهائر ، ويتخذ الليل حملا ، يعجل الترحل من المنزل الفقير ، ويطيل اللباث فى المنزل المخصب الرحب ، فلم نزل على أحسن حالة يتعرفها قوم من ربهم ، حتى انتهى إلى إفريقية ، فنزل منها بحيث يسمع صهيل الخيل ورغاء الإبل وقعقعة السلاح ، فأقام أياما يجم كراعه ، ويصلح سلاحه ، ثم دعاهم إلى الإسلام والدخول فيه فبعدوا منه ، وسألهم الجزية عن صغار والصلح فكانت هذه أبعد ، فأقام فيها ثلاث عشرة ليلة يتأتى بهم وتختلف رسله إليهم ، فلما يئس منهم قام خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم ذكر النبيّ صلىاللهعليهوسلم وأكثر الصلاة عليه ، ثم ذكر فضل الجهاد ، وما لصاحبه إذا صبر واحتسب ، ثم نهد لعدوه فقاتلهم أشد القتال يومه ذلك ، وصبر الفريقان جميعا ، وكانت بيننا وبينهم قتلى كثيرة ، واستشهد الله رجلا من المسلمين فبتنا وباتوا ، للمسلمين بالقرآن دوى كدوى النحل ، وبات المشركون فى ملاهيهم وخمورهم.
فلما أصبحنا أخذنا مصافنا التي كنا عليها بالأمس ، وزحف بعضنا إلى بعض ، فأفرغ
__________________
(١) هو : محمد بن مسلم بن عبد الله الزهرى.