الله علينا الصبر ، ثم أنزل علينا النصر ، ففتحناها من آخر النهار ، فأصبنا غنائم كثيرة ، فبلغ فيها الخمس خمسمائة ألف دينار ، وتركت المسلمين قد قرت أعينهم ، وقد أغناهم النفل ، ووسعهم الحق ، وأنا رسولهم إلى أمير المؤمنين وإلى المسلمين ، أبشره وإياهم بما فتح الله من البلاد وأذل من المشركين. فأحمد الله على آلائه ، وما أحل بأعدائه من بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين (١).
ثم صمت ، ونهض إليه الزبير فقبل بين عينيه وقال : يا بنى ، إذا نكحت المرأة فانكحها على شبه أبيها أو أخيها تأتك بأحدهما ، والله ما زلت تنطق بلسان أبى بكر الصديق حتى صمت.
ويروى عن الزبير لما أمر عثمان ، رحمهالله ، ابنه عبد الله بالقيام ليخبر الناس بما شهد من فتح إفريقية أنه قال : وجدت فى نفسى على عثمان وقلت : يقيم غلاما من الغلمان لا يبلغ الذي يحق عليه والذي يجمل به! فقام فتكلم فأبلغ وأصاب ، فما فرغ حتى ملأهم عجبا.
وفى كتاب سيف (٢) : أن عثمان لما وجه عبد الله بن سعد إلى إفريقية قال له : إن فتح الله عليك إفريقية فلك مما أفاء الله عليك خمس الخمس ، فلما انتهى إلى إفريقية فيمن معه لقيهم صاحبها ، فقاتلهم فقتله الله ، قتله عبد الله بن سعد ، وفتح الله إفريقية سهلها وجبلها ، واجتمعوا على الإسلام وحسنت طاعتهم ، وقسم عبد الله على الجند ما أفاء الله عليهم بعد أن أخرج الخمس ، فعزل منه لنفسه خمسه ، وبعث بأربعة أخماسه إلى عثمان ، وضرب فسطاطا فى موضع القيروان.
ووفد وفد إلى عثمان فشكوه فيما أخذ من الخمس ، فقال عثمان : أنا نفلته ، وإنما النفل تبصرة وتدريب للرجال. ثم كتب إلى عبد الله بن سعد باستصلاحهم.
قال : وكان عثمان قد أرسل معه عبد الله بن نافع بن عبد القيس ، وعبد الله بن نافع ابن الحصين الفهريين ، وأمرهما بالمسير إلى الأندلس فيمن ندبه معهما من الرجال ، وأمرهما بالاجتماع مع عبد الله بن سعد على صاحب إفريقية ، وبعد ذلك يسيران إلى الأندلس ، فلما كان الاستيلاء على صاحب إفريقية سارا من فورهما إلى الأندلس ، وأتياها من قبل البحر.
__________________
(١) انظر : تاريخ دمشق لابن عساكر (٤٢٠ ، ٤٢١).
(٢) انظر : تاريخ الرسل والملوك للطبرى (٤ / ٢٥٤ ، ٢٥٥).