واستقام أهل فارس على رأس سنة من مقدم خالد على الحيرة ، بعد خروجه إلى الشام بقليل ، وذلك سنة ثلاث عشرة ، على شهربراز بن أردشير بن شهريار ممن يناسب إلى كسرى ، ثم إلى سابور. فوجه إلى المثنى جندا عظيما عليهم هرمز جاذويه فى عشرة آلاف ، ومعه فيل ، وكتبت المسالح إلى المثنى بإقباله ، فخرج المثنى من الحيرة نحوه ، وضم إليه أصحاب المسالح ، وجعل على مجنبتيه أخويه : المعنّى ومسعودا ، وأقام له ببابل ، وأقبل هرمز جاذويه ، وقد كتب شهر براز إلى المثنى بن حارثة : «من شهربراز إلى المثنى : إنى قد بعثت إليك جندا من وخش أهل فارس ، إنما رعاة الدجاج والخنازير ، ولست أقاتلك إلا بهم».
فكتب إليه المثنى : «من المثنى إلى شهربراز ، إنما أنت أحد رجلين. إما صادق ، فذلك شر لك وخير لنا ، وإما كاذب ، فأعظم الكذابين عقوبة وفضيحة عند الله وفى الناس الملوك ، وأما الذي يدلنا عليه الرأى ، فإنكم إنما اضطررتم إليهم ، فالحمد لله الذي رد كيدكم إلى رعاة الدجاج والخنازير».
فجزع أهل فارس من كتابه ، وقالوا : إنما أتى شهربراز من شؤم مولده ولؤم منشئه ، وكان يسكن ميسان (١) ، وأن بعض البلدان شين على من يسكنه. وقالوا له : جرأت عدونا بالذى كتبت إليهم ، فإذا كاتبت أحدا فاستشر. ثم التقوا ببابل ، فاقتتلوا بعدوة الصراة الدنيا ، على الطريق الأول ، قتالا شديدا.
ثم إن المثنى وفرسان من المسلمين اعتمدوا الفيل ، وكان يفرق بين الصفوف والكراديس ، فأصابوا مقتله ، فقتلوه وهزموا أهل فارس ، واتبعهم المسلمون يقتلونهم ، حتى جازوا بهم مسالحهم ، فأقاموا فيها ، وتتبع الطلب الفالة ، حتى انتهوا إلى المدائن ، ومات شهربراز منهزم هرمز جاذويه ، واختلف أهل فارس ، وبقى ما دون دجلة وبرس من السواد فى يد المثنى وأيدى المسلمين.
ثم إن أهل فارس اجتمعوا بعد شهربراز على دخت زنان ابنة كسرى ، فلم ينفذ لها أمر ، وخلعت ، وملك سابور بن شهربراز ، وقام بأمره الفرخزاد بن البندوان ، فقاتلا جميعا ، وملكت آزرميدخت ، وتشاغلوا بذلك ، وأبطأ خبر أبى بكر ، رضياللهعنه ، على المسلمين ، فخلف المثنى على المسلمين بشير بن الخصاصية ، ووضع مكانه فى المسالح سعيد بن مرة العجلى ، وخرج المثنى نحو أبى بكر ليخبره خبر المسلمين والمشركين ،
__________________
(١) ميسان : كورة واسعة كثيرة القرى والنخيل بين البصرة وواسط. انظر : معجم البلدان (٥ / ٢٤٢).