عن العبور إليهم ، فازداد أبو عبيد محكا ، فقال المثنى للناس : اجعلوا جبنها بى ولا تعبروا فقالوا : كيف نصنع وقد عبر أميرنا وسليط فى الأنصار وعبر الناس فقال المثنى : إنى لأرى ما تصنعون ولو لا أن خذلانكم يقبح ولا أراه يحل ما صحبتكم ، ثم عبر ، فالتقى الناس فى موضع ضيق المطرد.
قال : وكانت دومة امرأة أبى عبيد رأت وهى بالطائف كأن رجلا نزل من السماء معه إناء فيه شراب ، فشرب منه أبو عبيد ورجال من أهل بيته يأتى ذكرهم ، فقصتها على أبى عبيد ، فقال : هذه الشهادة إن شاء الله.
فلما التقوا قال أبو عبيد : إن قتلت فأميركم عبد الله بن مسعود بن عمرو ، يعنى أخاه ، فإن قتل فأميركم جبر بن أبى عبيد ، يعنى ولده ، فإن قتل فأميركم حبيب بن ربيعة ابن عمرو بن عمير ، فإن قتل فأميركم أبو الحكم بن حبيب بن ربيعة بن عمرو بن عمير ، فإن قتل فأميركم أبو قيس بن حبيب ، وهؤلاء الإخوة الثلاثة بنو عمه ، حتى عدّ كل من شرب الإناء ، ثم قال : فإن قتل فأميركم المثنى بن حارثة ، وسير على ميمنته سليط بن قيس ، وعلى ميسرته المثنى.
وقدم ذو الحاجب جالينوس معه الفيل الأبيض وراية كسرى وقد أطافت به حماة المشركين ، معلمين أمامهم رجال يمشون على العمد ، فكانت بين الناس مشاولة ، يخرج العشرة والعشرون فيقتتلون مليا من النهار ، ثم حمل المشركون على المسلمين فنضحوهم بالنبل ، وجثت رجالهم فاستقبلوا بالرماح ، ولم يقدروا من المسلمين على شيء فانصرفوا عنهم ، ثم حملوا عليهم الثانية ففعلوا مثلها ، ثم انصرفوا ، وحملوا عليهم الثالثة فصبروا ، فلما رأوا أنهم لا يقدرون على ما يريدون من المسلمين جاءوا بالنشاب فوضعوه كأنه آكام وتفرقوا ثلاث فرق ، فقصدت فرقة لأبى عبيد فى القلب ، وفرقة لسليط فى الميمنة ، وفرقة للمثنى فى الميسرة ، ثم صاروا كراديس ، فجعل الكردوس يمر بهم معرضا بالمسلمين ويرميهم حتى كثرت الجراحات فيهم ، وعضلت الأرض بأهلها.
وأقبلت الفيلة عليها النخل ، والخيول عليها التجافيف ، والفرسان عليهم الشعر ، فلما نظرت إلى ذلك خيول المسلمين رأت شيئا منكرا لم تكن ترى مثله ، فجعل المسلمون إذا حملوا عليهم لم تقدم خيولهم ، وإذا حملوا على المسلمين بالفيلة والجلاجل فرقت بين كراديسهم ، لا تقوى لهم الخيل إلا على نفار ، وخزقهم الفرس بالنشاب ، وعض المسلمين الألم ، وجعلوا لا يصلون إليهم ، فنادى سليط بن قيس : يا أبا عبيد أرأيى أم رأيك أما