صدقات هوازن بنجد ، فأقره عمر عليها ، فلما أتاه اجتماع فارس ، وقيام يزدجرد فى قول من جعل قيامه بعد وقعة البويب ، خلافا لما ذكره المدائنى وآخرون معه ، من قيامه قبل ذلك حسب ما قدمناه ، كتب عمر إلى المسلمين بما عملوا به قبل انتهاء كتابه إليهم من الوقوف على حدود أرضهم ، وأن يستخرجوا كل ذى سلاح وفرس ممن له رأى ونجدة فيضموه إليهم حتى يأتيهم أمره ، وكتب إلى عمال العرب على الكور والقبائل ، وذلك فى ذى الحجة سنة ثلاث عشرة مخرجه إلى الحج يأمرهم أيضا بانتخاب الناس أولى الخيل والسلاح والنجدة والرأى ، ويستعجلهم فى توجيههم إليه ، وكتب بمثل ذلك إلى سعد بن أبى وقاص ، فجاءه كتاب سعد :
إنى قد انتخبت لك ألف فارس مرد ، كلهم له نجدة ورأى ، يحوط حريم قومه ، ويمنع زمارهم ، إليهم انتهت أحسابهم وآراؤهم ، فشأنك بهم.
فوافق وصول كتاب سعد بهذا مشاورة عمر الناس فى رجل يوجهه إلى العراق ، فقالوا : قد وجدته ، قال : من؟ قالوا : الأسد عاديا ، سعد بن مالك ، فانتهى إلى رأيهم ، وأرسل إليه ، فقدم عليه ، فأمّره على حرب العراق وأوصاه ، فقال : يا سعد ، سعد بنى وهيب ، عليك بتقوى الله ، فإن الله لا يمحو السيئ بالسيئ ، ولكن يمحو السيئ بالحسن ، ولا يغرنك أن يقال : صاحب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وخال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإن الله عزوجل ليس بينه وبين أحد سبب إلا طاعته ، فالناس شريفهم ووضيعهم فى ذات الله سواء ، الله ربهم وهم عباده ، يتفاضلون بالعاقبة ، ويدركون ما عنده بالطاعة ، ألم تسمع لقول الله تبارك وتعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) [القصص : ٨٤] ، و: (مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) [النمل : ٩٠] ، وقد رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم مذ بعثه الله حتى قبض إليه ، فالزم ما رأيته عليه ، وإنى موجهك إلى أرض فارس ، فسر على بركة الله ، فقد استعملتك على من مررت به من القبائل ممن سقط إليكم من العرب ، فاندبهم إلى الجهاد ورغبهم فيه ، وأعلمهم ما أعد الله لأهله ، فمن تبعك منهم فأحسن إليه وارفق بهم ، واجعل كل قبيلة على منزلها ، ومن لم يبلغ أن تستنفره بمن معه من قبيلة ، فاجعله مع من أحب ، وانزل فيدا حتى يأتيك أمرى.
وفى رواية أنه قال لما أراد أن يسرحه :
إنى قد وليتك حرب العراق فاحفظ وصيتي ، فإنك تقدم على أمر شديد كريه لا يخلص منه إلا الحق ، فعود نفسك ومن معك الخير ، واستفتح به ، واعلم أن لكل عادة