كرم ، فرأى فيه ثعلبا ، فقال : وما ثعلب فانطلق الثعلب ، فدعا الثعالب إلى ذلك الكرم ، فلما اجتمعت عليه سد عليها صاحب الكرم مدخلها فقتلها ، وقد علمت أن الذي حملكم على هذا الحرص والطمع مع الجهد ، فارجعوا عنا عامكم هذا ، وامتاروا حاجتكم ، ولكم العود كلما احتجتم ، فإنى لا أشتهى أن أقتلكم ، وقد أصاب أناس كثير منكم ما أرادوا من أرضنا ، ثم كان مصيرهم القتل والمهرب ، ومن سن هذا لكم خير منكم وأقوى ، وقد رأيتم أنتم كلما أصابوا شيئا أصيب بعضهم ونجا بعضهم ، وخرج مما كان أصاب ، ومن أمثالكم فيما تصنعون مثل جرذان ألفت جرة فيها حب ، وفى الجرة ثقب ، فدخل الأول فأقام فيها ، وجعلت الأخر ينقلن منها ويرجعون ويكلمنه فى الرجوع ، فيأبى ، فانتهى سمن الذي فى الجرة ، فاشتاق إلى أهله ليريهم حسن حاله ، فضاق عليه الجحر ، ولم يطق الخروج ، فشكى القلق إلى أصحابه ، وسألهم المخرج ، فقالوا : ما أنت بخارج منها حتى تعود كما كنت قبل أن تدخل ، فكف وجوع نفسه ، وبقى فى الجرة ، حتى إذا عاد كما كان أتى عليه صاحب الجرة فقتله ، فاخرجوا أو ليكونن هذا لكم مثلا.
وقال لهم ، أيضا ، فيما قال : لم يخلق الله خلقا أولع من ذباب ، ما خلاكم يا معشر العرب ، ترون الهلاك ويدليكم فيه الطمع ، ومثلكم فى هذا مثل الذباب إذا رأى العسل طار ، وقال : من يوصلنى إليه وله درهمان حتى يدخله؟ لا ينهاه أحد إلا عصاه ، فإذا دخله غرق ونشب ، وقال : من يخرجنى وله أربعة دراهم؟ وضرب للقوم أمثالا غير هذه نحوا منها.
قالوا : فتكلم القوم ، فقالوا : أما ما ذكرت من سوء حالنا فيما مضى ، وانتشار أمرنا ، فلم نبلغ كنهه يموت الميت منا إلى النار ، ويبقى الباقى منا فى بؤس ، فبينا نحن فى أسواء ذلك ، فبعث الله ، عزوجل ، فينا رسولا من أنفسنا إلى الإنس والجن ، رحمة رحم بها من أراد رحمته ، ونقمة ينتقم بها ممن رد كرامته ، فبدأ بنا قبيلة قبيلة ، فلم يكن أحد أشد عليه ولا أشد إنكارا لما جاء به ، ولا أجهد على قتله ورد ما جاء به من قومه ، ثم الذين يلونهم ، حتى طابقناه على ذلك كلنا ، فنصبنا له جميعا ، وهو وحده فرد ليس معه إلا الله تعالى فأعطى الظفر علينا ، فدخل بعضنا طوعا وبعضنا كرها ، ثم عرفنا جميعا الحق والصدق لما أتى به من الآيات المعجزة ، وكان مما أتى به من عند ربنا ، عزوجل ، جهاد الأدنى فالأدنى ، فصرنا فى ذلك فيما بيننا ، نرى أن الذي قال لنا ووعدنا لا نخرج عنه ولا ننقص منه ، حتى اجتمعت العرب على هذا ، وكانوا من الاختلاف فيما لا يطيق