أمير يا معشر قريش. قال : فكثر اللغط وارتفعت الأصوات ، حتى تخوفت الاختلاف ، فقلت : ابسط يدك يا أبا بكر ، فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعه الأنصار ، ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم : قتلتم سعد بن عبادة. فقلت : قتل الله سعد ابن عبادة.
وذكر ابن إسحاق (١) عن الزهرى عن عروة أن أحد الرجلين اللذين لقوا من الأنصار حين ذهبوا إلى السقيفة هو عويم بن ساعدة ، وهو الذي قال فيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما سئل : من الذين قال الله لهم : (رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)[التوبة : ١٠٨]، فقال عليهالسلام : «نعم المرء منهم عويم بن ساعدة ، وأما الرجل الآخر فهو : معن بن عدى» (٢) ، ويقال : إنه لما بكى الناس على رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين توفاه الله وقالوا : والله لوددنا أن متنا قبله ، إنا نخشى أن نفتتن بعده ، قال معن بن عدى : لكنى والله ما أحب أنى مت قبله حتى أصدقه ميتا كما صدقته حيا ، وقتل رحمهالله شهيدا اليمامة.
وذكر ابن عقبة أنهم لما توجهوا إلى سقيفة بنى ساعدة وأراد عمر أن يتكلم ويسبق بالقول ويمهد لأبى بكر ويتهدد من هناك من الأنصار ، وقال عمر : خشيت أن يقصر أبو بكر رضياللهعنه عن بعض الكلام وعن ما أجد فى نفسى من الشدة على من خالفنا زجره أبو بكر رضياللهعنه فقال : على رسلك فستكفى الكلام إن شاء الله تعالى ، ثم سوف تقول بعدى ما بدا لك ، فتشهد أبو بكر ، وأنصت القوم ، ثم قال :
بعث الله محمدا بالهدى ودين الحق ، فدعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى الإسلام فأخذ الله بقلوبنا ونواصينا إلى ما دعانا إليه ، فكنا معشر المهاجرين أول الناس إسلاما ، ونحن عشيرته وأقاربه ، وذوو رحمه ، فنحن أهل النبوة وأهل الخلافة وأوسط الناس أنسابا فى العرب ، ولدتنا العرب كلها ، فليست منها قبيلة إلا لقريش فيها ولادة ، ولن تعترف العرب ولا تصلح إلا على رجل من قريش ، هم أصبح الناس وجوها ، وأبسطه ألسنا ، وأفضله قولا ، فالناس لقريش تبع ، فنحن الأمراء ، وأنتم الوزراء ، وهذا الأمر بيننا وبينكم قسمة إلا بلمه ، وأنتم يا معشر الأنصار إخواننا فى كتاب الله وشركاؤنا فى الدين وأحب الناس إلينا ، وأنتم الذين آووا ونصروا ، وأنتم أحق الناس أن لا تحسدوهم على خير أتاهم الله إياه ، فأنا أدعوكم إلى أحد هذين الرجلين : عمر بن الخطاب وأبى عبيدة
__________________
(١) انظر : السيرة (٤ / ٢٨٥).
(٢) انظر الحديث فى : طبقات ابن سعد (٣ / ٢ / ٣١).