عمر ، فقال عمر : هل تصبر بها الإبل؟ قالوا : لا ؛ لأن بها بعوضا ، قال : فإن العرب لا تصبر ببلاد لا تصبر بها الإبل ، اخرجوا فارتادوا منزلا.
قال أبو وائل : فخرجنا فأردنا أن ننزل الحيرة ، فقال رجل من أهلها : يا معشر المعذبين ، ألا أدلكم على ما ارتفعت عن البعوضة وتطأطأت عن الثلجة وطعنت فى البرية وخالطت الريف؟ قلنا : بلى ، فدلنا على الكوفة ، فاختط الناس ونزلوا الكوفة ، فكتب إلى عمر بذلك.
وذكر سيف (١) عمن سماه من رجاله قالوا : مصر المسلمون المدائن وأوطنوها ، حتى إذا فرغوا من جلولاء وتكريت وأخذوا الحصنين ، كتب عمر إلى سعد أن ابعث عتبة بن غزوان (٢) إلى فرج الهند فليرتد منزلا يمصره ، وابعث معه سبعين رجلا من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وابعث بعده عرفجة بن هرثمة ، واجعل مكانه الحارث بن حسان ، وابعث عاصم بن عمرو ، وحذيفة بن محصن ، ومجزأة بن ثور ، والحصين بن القعقاع ، فخرج عتبة فى سبعمائة من المدائن واتبعه عرفجة فى سبعمائة ، ثم عاصم ثم حذيفة ثم مجزأة ثم الحصين ، كل واحد منهم فى سبعمائة ، ثم سعد بن سلمى فى سبعمائة ، فساروا حتى أتوا على البصرة اليوم فنزلوها وثبتوا بها ، والبصرة كل أرض حجارتها جص.
قالوا (٣) : ولما نزل أهل الكوفة الكوفة ، واستقرت بأهل البصرة الدار ، عرف القوم أنفسهم ، وثاب إليهم ما كانوا فقدوا ، ثم إن أهل المصرين استأذنوا فى بنيان القصب ، فقال عمر ، رضياللهعنه : العسكرة أجد لحربكم وأذكى لكم ، وما أحب أن أخالفكم ، وما القصب؟ قالوا : العكرش إذا روى قصب فصار قصبا ، قال : فشأنكم ، فابنوا بالقصب ، ثم وقع الحريق فى المصرين ، وكانت الكوفة أشدهما حريقا ، فاحترق ثمانون عرشا ، ولم يبق فيها قصبة ، فبعث سعد نفرا منهم إلى عمر يستأذنونه فى البنيان باللبن ، ويخبرونه عن الحريق وما بلغ منهم ، وكانوا لا يدعون شيئا ولا يأتونه إلا أمروه فيه ، فقال : ابنوا ، ولا يزدن أحد على ثلاثة أبيات ، ولا تطاولوا فى البنيان ، والزموا السنة تلزمكم الدولة ، فرجع القوم بذلك إلى الكوفة.
__________________
(١) انظر : الطبرى (٤ / ٤٣).
(٢) انظر ترجمته فى : طبقات ابن سعد (٣ / ١ / ٦٩) ، التاريخ الكبير (٦ / ٥٢٠ ، ٥٢١) ، المعارف (٢٧٥) ، الجرح والتعديل (٦ / ٣٧٣) ، تاريخ بغداد (١ / ١٥٥ ـ ١٥٧) ، تهذيب التهذيب (٧ / ١٠٠) ، شذرات الذهب (١ / ٢٧) ، الإصابة ترجمة رقم (٥٤٢٧) ، أسد الغابة ترجمة رقم (٣٥٥٦).
(٣) انظر : الطبرى (٤ / ٤٣).