سنة أربع عشرة ، وذكر عن الشعبى قال : قتل مهران فى صفر سنة أربع عشرة ، فقال عمر لعتبة : قد فتح الله على إخوانكم الحيرة وما حولها ، وقتل عظيم من عظمائها ، ولست آمن أن يمدهم إخوانهم من أهل فارس ، فأنا أريد أن أوجهك إلى أرض الهند ، والبصرة يومئذ تدعى أرض الهند ، لتمنع أهل ذلك الحيز من إمداد إخوانهم على إخوانكم وتقاتلهم ، لعل الله أن يفتح عليكم ، فسر على بركة الله ، واتق الله ما استطعت ، واحكم بالعدل ، وصل الصلاة لوقتها ، وأكثر ذكر الله.
فأقبل عتبة فى ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ، وضوى إليه قوم من الأعراب وأهل البوادى ، فقدم البصرة فى خمسمائة ، يزيدون قليلا أو ينقصون قليلا.
وذكر من طريق آخر (١) أنه رقمها فى ثلاثمائة ، فلمّا رأى منبت القصب ، وسمع نقيق الضفادع قال : إن أمير المؤمنين أمرنى أن أنزل أقصى البر من أرض العرب ، وأدنى أرض الريف من أرض العجم ، فهذا حيث وجب علينا طاعة إمامنا ، فنزل الخريبة.
وفى حديث الشعبى (٢) : وليس بها ، يعنى بالبصرة ، يومئذ إلا سبع دساكر ، فكتب إلى عمر ، ووصف له منزله ، فكتب إليه عمر : أجمع الناس موضعا واحدا ولا تفرقهم ، وأقام عتبة أشهرا لا يغزو ولا يلقى أحدا.
وفى حديث آخر (٣) : أن عتبة أقبل بمن كان معه حتى إذا كانوا بالمربد وجدوا هذا الكذان ، قالوا : هذه البصرة ، فساروا حتى بلغوا حيال الجسر الصغير ، فإذا حلفاء وقصب نابتة ، فقالوا : هاهنا أمرتم ، فنزلوا دون صاحب الفرات ، فأتى فقيل له : إن هاهنا قوما معهم راية ، وهم يريدونك ، فأقبل فى أربعة آلاف أسوار ، فقال : ما هم إلا ما أرى ، اجعلوا فى أعناقهم الحبال ، وأتونى بهم ، فجعل عتبة يوجل ويقول : إنى شهدت القتال مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، يعنى فكان لا يقاتل حتى تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر ، حتى إذا زالت الشمس ، قال عتبة لأصحابه : احملوا ، فحملوا عليهم فقتلوهم أجمعين ، إلا صاحب الفرات ، أخذوه أسيرا ، فقال عتبة : ابغوا لنا منزلا هو أنزه من هذا ، وكان يوم عكاك ، فرفعوا له منبرا ، فقام يخطب ، فقال : إن الدنيا قد آذنت بصرم وولت حذاء ، ولم يبق منها إلا صبابة الإناء ، ألا وأنكم منتقلون منها إلى دار القرار ، فانتقلوا بخير ما
__________________
(١) انظر : الطبرى (٣ / ٥٩٤).
(٢) انظر : الطبرى (٣ / ٥٩١).
(٣) انظر : الطبرى (٣ / ٥٩١ ، ٥٩٢).