وكان عمر ، رحمهالله ، لا يأذن لأحد فى ركوبه غازيا ، يكره التغرير بجنده استنانا بالنبى صلىاللهعليهوسلم وبأبى بكر ، إذ لم يغزيا فيه أحدا.
فعبرت تلك الجنود من البحرين إلى فارس ، فخرجوا فى اصطخر ، وبإزائهم أهل فارس ، قد اجتمعوا على الهربذ ، فحالوا بين المسلمين وبين سفنهم ، فقام خليد فى الناس ، فقال : إن الله إذا قضى لأحد أمرا جرت به المقادير حتى يصيبه ، وإن هؤلاء القوم لم يزيدوا بما صنعوا على أن دعوكم لحربهم ، وإنما جئتم لمحاربتهم ، والسفن والأرض لمن غلب ، (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) [البقرة : ٤٥].
فأجابوه ، فصلوا الظهر ثم ناهدوهم فاقتتلوا قتالا شديدا فى موضع يدعى طاوس ، وجعل السوار يحض ويذكر قومه عبد القيس حتى قتل ، وقتل الجارود ، ويومئذ ولى عبد الله بن المسور والمنذر بن الجارود حياتهما إلى أن ماتا. وجعل خليد بن المنذر يقول للمسلمين : انزلوا ، فنزلوا فقاتلوا القوم فقتل أهل فارس مقتلة عظيمة لم يقتلوا مثلها ، ثم خرج المسلمون يريدون البصرة إذ غرقت سفنهم ، ولم يجدوا إلى الرجوع فى البحر سبيلا ، فوجدوا شهرك قد أخذ عليهم الطرق فعسكروا وامتنعوا.
ولما بلغ عمر ، رحمهالله ، ما صنع العلاء من بعثه ذلك الجيش فى البحر ، يعنى قبل أن يبلغه ما عرض لهم ، ألقى فى روعه نحو من الذي كان ، فاشتد غضبه على العلاء وكتب إليه بعزله وتوعده وأمره بأثقل الأشياء عليه ، وأبغض الوجوه عليه ، بتأمر سعد عليه ، وقال : الحق بسعد بن أبى وقاص فيمن قبلك ، فخرج نحوه بمن معه.
وكتب عمر إلى عتبة بن غزوان : أن العلاء بن الحضرمى حمل جندا من المسلمين ، فأقطعهم أهل فارس ، وعصانى ، وأظنه لم يرد الله بذلك ، فخشيت عليهم ألا ينصروا وأن يغلبوا وينشبوا ، فاندب الناس إليهم ، واضممهم إليك من قبل أن يجتاحوا ، فندب عتبة الناس ، وأخبرهم بكتاب عمر ، فانتدب عاصم بن عمرو وعرفجة بن هرثمة وحذيفة بن محصن ومجزأة بن ثور والأحنف بن قيس وصعصعة بن معاوية وآخرون من رءوس المسلمين وفرسانهم ، فخرجوا فى اثنى عشر ألفا على البغال يجنبون الخيل ، وعليهم أبو سبرة بن أبى رهم ، أحد بنى مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ ، والمسالح على حالها بالأهواز والذمة ، وهم ردء الغازى والمقيم ، فسار أبو سبرة بالناس ، وساحل لا يلقاه أحد ، ولا يعرض له حتى التقى بخليد وأصحابه بحيث أخذ عليهم الطريق.
وكان أهل اصطخر حيث أخذوا عليهم الطريق وأنشبوهم ، استصرخوا عليهم أهل