تستر ثمانين زحفا تكون عليهم مرة ولهم أخرى ، حتى إذا كان فى آخر زحف منها واشتد القتال ، قال المسلمون : يا براء ، أقسم على ربك ليهزمنهم لنا ، فقال البراء بن مالك : اللهم اهزمهم لنا واستشهدنى ، فهزمهم حتى أدخلوهم خنادقهم ثم اقتحموها عليهم ، فأرزوا إلى مدينتهم ، فأحاط المسلمون بها.
فبينا هم على ذلك وقد ضاقت المدينة بهم ، وطالت حربهم ، خرج رجل إلى النعمان فاستأمنه على أن يدله على مدخل يوصل منه إلى المدينة ، ويكون منه فتحها ، فأمنه النعمان ، فقال : انهدوا من قبل مخرج الماء ، ورمى رجل آخر غير ذلك الرجل فى ناحية أبى موسى بسهم يستأمنهم فيه على أن يدلهم على ذلك ، فأمنوه فى نشابة ، فرمى إليهم بأخرى ، ودلهم على مخرج الماء ، فندب الأميران أصحابهما ، فانتدب لأبى موسى كعب ابن سور ومجزأة بن ثور وبشر كثير.
وانتدب للنعمان أيضا بشر كثير ، منهم : سويد بن المثعبة ، وعبد الله بن بشر الهلالى ، فنهدوا ، فالتقوا هم وأهل البصرة على ذلك المخرج ، وقد تسرب سويد وعبد الله ، فاتبعهم الفريقان ، حتى إذا اجتمعوا فيها ، والناس على رجل من خارج ، كبروا فيها ، وكبر المسلمون من خارج ، وفتحت الأبواب ، فاجتلدوا فيها ، فأناموا كل مقاتل ، وأرز الهرمزان إلى القلعة فأطاف به الذين دخلوا من مخرج الماء ، فلما عاينوه وأقبلوا قبله ، قال لهم : ما شئتم ، قد ترون ضيق ما أنا فيه وأنتم ، وإن معى فى جعبتى مائة نشابة ، وو الله لا تصلون إلىّ ، ما دامت معى نشابة ، وما يقع لى سهم إلا فى رجل ، وما خير أسارى إذا أصبت منكم مائة بين قتيل وجريح ، قالوا : فتريد ما ذا؟ قال : أن أضع يدى فى أيديكم على حكم عمر يصنع بى ما شاء ، قالوا : فذلك لك.
فرمى بقوسه ، وأمكنهم من نفسه ، فشدوه وثاقا ، واقتسموا ما أفاء الله عليهم ، فكان سهم الفارس ثلاثة آلاف ، والراجل ألفا. وجاء الرجل الذي خرج بنفسه إلى النعمان ، والآخر الذي رمى بالسهم فى ناحية أبى موسى ، فقالا للمسلمين : من لنا بالأمان الذي طلبنا علينا وعلى من مال علينا؟ قالوا : ومن مال معكم؟ قالوا : من أغلق عليه بابه مدخلكم ، فأجازوا ذلك لهم ، وقتل ليلتئذ من المسلمين ناس كثير ، منهم مجزأة بن ثور ، والبراء بن مالك ، قتلهما الهرمزان.
وخرج أبو سبرة من تستر فى أثر الفل ، وقد قصد السوس ، وأخرج معه النعمان وأبا موسى الهرمزان ، حتى نزلوا على السوس ، وكتبوا بذلك إلى عمر ، فكتب إلى أبى موسى