الشقاء والبؤس سيغلبون على هذه المملكة ، وتروث دوابهم فى إيوانات اصطخر ومصانع الملوك ، ويشدون خيولهم بشجرها ، وقد غلبوا على ما رأيتم ، وليس يلقون جندا إلا فلوه ، ولا ينزلون بحصن إلا فتحوه ، فانظروا لأنفسكم. قالوا : رأينا رأيك ، قال : فليكفنى كل رجل منكم حشمه والمنقطعين إليه ، فإنى أرى أن ندخل فى دينهم.
فوجهوا شيرويه فى عشرة من الأساورة إلى أبى موسى ، فقدم عليه ، فقال : إنا قد رغبنا فى دينكم ، فنسلم على أن نقاتل العجم معكم ، وإن قاتلنا أحد من العرب منعتمونا منهم ، وننزل حيث شئنا ، ونكون فيمن شئنا منكم ، وتلحقونا بأشرف العطاء ، ويعقد لنا بذلك الأمير الذي هو فوقك ، فقال أبو موسى : بل لكم ما لنا ، وعليكم ما علينا ، فقال: لا نرضى.
وكتب أبو موسى إلى عمر بن الخطاب ، رضياللهعنه ، بأمرهم ، فأجابه : أعطهم ما سألوك ، فكتب لهم أبو موسى ، فأسلموا ، وشهدوا معه حصار تستر ، فلم يكن أبو موسى يرى منهم جدا ولا نكاية ، فقال لسياه : يا أعور ، ما أنت وأصحابك كما كنا نرى ، قال : لسنا مثلكم فى هذا الدين ، ولا بصائرنا كبصائركم ، وليس لنا فيكم حرم نحامى عنهم ، ولم تلحقونا بأشرف العطاء ولنا سلاح وكراع وأنتم حسر. فكتب أبو موسى إلى عمر فى ذلك ، فكتب إليه : أن ألحقهم على قدر البلاء فى أفضل العطاء وأكثر شيء أخذه أحد من العرب. ففرض لمائة منهم فى ألفين ألفين ، ولستة منهم فى ألفين وخمسمائة ، لسياه وخسرو وابنه مقلاص وشهريار وشهرويه وأفريذون ، وإياهم عنى الشاعر بقوله :
ولما رأى الفاروق حسن بلائهم |
|
وكان بما يأتى من الأمر أبصرا |
فسن لهم ألفين فرضا وقد رأى |
|
ثلاثمائين فرض عك وحميرا |
قال : فحاصروا حصنا بفارس ، فمشى سياه فى آخر الليل فى زى العجم حتى رمى بنفسه إلى جانب الحصن ، ونضح ثيابه بالدم ، وأصبح أهل الحصن ، فرأوا رجلا فى زيهم صريعا ، فظنوا أنه رجل منهم أصيبوا به ، ففتحوا باب الحصن ليدخلوه ، وثار فقاتلهم حتى دخلوا عن باب الحصن وهربوا ، ففتح الحصن وحده ودخله المسلمون ، وقوم يقولون : فعل هذا الفعل سياه بتستر ، وحاصروا حصنا آخر ، فمشى خسرو إلى الحصن ، فأشرف عليه رجل منهم فكلمه ، فرماه خسرو بنشابة فقتله.