فلما أطل عليه عبد الرحمن بن ربيعة بالباب كاتبه شهربراز واستأمنه على أن يأتيه ، فأمنه عبد الرحمن على ذلك ، فأتاه فقال : إنى بإزاء عدو كلب وأمم مختلفة ، لا ينسبون إلى أحساب ، وليس ينبغى لذى العقل والحسب أن يعين أمثال هؤلاء ولا يستعين بهم على ذوى الأحساب والأصول ، وذو الحسب قريب ذى الحسب حيث كان ، ولست من الفتح فى شيء ولا من الأرض ، وإنكم قد غلبتم على بلادى وأمتى ، فأنا اليوم منكم يدى مع أيديكم ، وصبرى معكم ، فمرحبا بكم ، وبارك الله لنا ولكم ، وجزيتنا إليكم ، ولكم النصر والقيام بما تحبون ، ولا تذلونا بالجزية فتوهنونا لعدوكم.
فقال عبد الرحمن : فوقى رجل قد أظلك فسر إليه ، فجوزه ، فسار إلى سراقة ، فلقيه بمثل ذلك ، فقال له سراقة : قد قبلت ذلك فيمن كان معك على هذا ما دام عليه ، ولا بد من الجزاء على من يقيم ولا ينهض ، فقبل ذلك شهربراز ، وصارت سنة فيمن كان يحارب العدو من المشركين ، وفيمن يستنفر من أهل الجزية ، فتوضع عنه جزية تلك السنة التي استنفر فيها.
وكتب سراقة إلى عمر بن الخطاب ، رضياللهعنه ، بذلك ، فأجازه وحسنه ، وليس فى تلك البلاد التي فى ساحة الجبال نبك لم يقم الأرمن بها إلا على أوفاز ، وإنما بها سكان ممن حولها ومن الطراء استأصلت الغارات نبكها من أهل القرار ، وأرز أهل الجبال منهم إلى جبالهم ، وجلوا عن قرار أرضهم ، فكان لا يقيم بها إلا الجنود ومن أعانهم أو تجر إليهم.
واكتتبوا من سراقة بن عمرو كتابا بالأمان لشهربراز وسكان أرمينية والأرمن ، على أنفسهم وأموالهم وملتهم ، لا يضارون ولا ينتقضون ، وعلى أهل أرمينية والأبواب ، الطراء منهم والتناء ومن حولهم ، فدخل معهم أن ينفروا لكل غارة ، وينفروا لكل أمر رآه الوالى صلاحا ، ناب أو لم ينب ، على أن توضع على من أجاب إلى ذلك الجزاء ، ومن استغنى منهم فقعد فعليه مثل ما على أهل أذربيجان من الجزاء والدلالة والنزول يوما كاملا ، فإن حشروا وضع ذلك عنهم ، وإن تركوا أخذوا به.
ثم إن سراقة بن عمرو وجه بعد ذلك بكير بن عبد الله وحبيب بن مسلمة ، وكان عمر أمد به سراقة ، وحذيفة بن أسيد وسلمان بن ربيعة إلى أهل تلك الجبال المحيطة بإرمينية ، فوجه بكيرا إلى موقان ، وحبيبا إلى تفليس ، وحذيفة إلى من بجبال اللان ، وسلمان إلى وجه آخر.