جرى الشموس ناجزا بناجز |
|
محتفلا فى جريه مشارز |
ثم انصرف الأحنف إلى عسكره ، ولا يعلم بذلك أحد منهم حتى دخله واستعد. وكان من شيمة الترك أنهم لا يخرجون حتى يخرج ثلاثة من فرسانهم كهؤلاء ، كلهم يضرب بطلبه ثم يخرجوا بعد خروج الثالث ، فخرجت الترك ليلتئذ بعد الثالث ، فأتوا على فرسانهم مقتلين ، فتشاءم خاقان وتطير ، وقال : قد طال مقامنا ، وقد أصيب هؤلاء بمكان لم يصب بمثله قط أحد منا ، فما لنا فى قتال هؤلاء القوم من خير ، فانصرفوا بنا ، فكان وجههم راجعين ، وارتفع النهار للمسلمين ولا يرون شيئا ، فأتاهم الخبر بانصراف خاقان إلى بلخ ، فقال المسلمون للأحنف : ما ترى فى اتباعهم؟ فقال : أقيموا بمكانكم ودعوهم.
وكان يزدجرد لما نزل بمروالروذ خرج إلى مرو الشاهجان فتحصن منه حارثة بن النعمان ومن معه ، فحاصرهم واستخرج خزائنه من مواضعها ، وخاقان ببلخ مقيم له ، فلما جمع يزدجرد ما كان فى يديه مما وضع بمرو ، فأعجل عنه وأراد أن يستقل منها ، إذا أمر عظيم من خزائن أهل فارس ، فقال له أهل فارس : أى شيء تريد أن تصنع؟ فقال : أريد اللحاق بخاقان ، فأكون معه أو بالصين ، فقالوا له : مهلا ، فإن هذا رأى سوء ، إنك إنما تأتى قوما فى مملكتهم وتدع أرضك وقومك ، ولكن ارجع إلى هؤلاء القوم ، يعنون المسلمين ، فنصالحهم ، فإنهم أوفياء وأهل دين ، وهم يلون بلادنا ، وإن عدوا يلينا فى بلادنا أحب إلينا ملكه من عدو يلينا فى بلاده لا دين لهم ولا ندرى ما وفاؤهم ، فأبى عليهم وأبوا عليه ، فقالوا : فدع خزائننا نردها إلى بلادنا ومن يليها ، ولا تخرجها من بلادنا إلى غيرها ، فأبى ، فقالوا : إنا لا ندعك.
فاعتزلوه وتركوه فى حاشيته ، فاقتتلوا ، فهزموه وأخذوا الخزائن واستولوا عليها ، وكتبوا إلى الأحنف بالخبر ، فاعترضهم المسلمون والمشركون يثفنونه ، فقاتلوه ، وأصابوا فى آخر القوم ، وأعجلوه عن الأثقال ، ومضى مزايلا حتى يقطع النهر إلى فرغانة والترك ، فلم يزل مقيما بقية زمان عمر ، رضياللهعنه ، يكاتبهم ويكاتبونه ، أو من شاء الله منهم ، إلى أن كان زمن عثمان ، رضياللهعنه ، فكفر أهل خراسان ، فأقبل حتى نزل مرو ، فكان من أمره إلى حين مقتله ما نذكره بعد فى موضعه إن شاء الله.
وأقبل أهل فارس على الأحنف فصالحوه ، ودفعوا إليه تلك الخزائن والأموال ، وتراجعوا إلى بلدانهم وأموالهم على أفضل ما كانوا فى زمان الأكاسرة ، فكانوا كأنهم فى ملكهم ، إلا أن المسلمين أوفى لهم وأعدل عليهم ، فاغتبطوا ، وأصاب الفارس يوم يزدجرد كسهم الفارس يوم القادسية.