وعن الحسن قال : قال عثمان بن أبى العاص يوم اصطخر : إن الله عزوجل إذا أراد بقوم خيرا كفهم ووفر أمانتهم ، فاحفظوها ، فإن أول ما تفقدون من دينكم الأمانة ، فإذا فقدتموها جدد لكم فى كل يوم فقدان شيء من أموركم.
ثم إن شهرك خلع فى آخر إمارة عمر أو أول إمارة عثمان ، رحمهماالله ، ونشط فارس ودعاهم إلى النقض ، فوجه إليه عثمان بن أبى العاص ثانية ، وبعث معه جنودا أمد بهم عليهم عبيد الله بن معمر ، وشبل بن معبد ، فالتقوا بفارس ، فقال شهرك لابنه وهو فى المعركة ، وبينهم وبين قرية لهم تدعى ري شهر ثلاثة فراسخ ، وكان بينهم وبين قرارهم اثنا عشر فرسخا : يا بنى ، أين ترى أن يكون غداؤنا هنا أو بريشهر؟ فقال : يا أبت ، إن تركونا فلا يكون غداؤنا هنا ولا بريشهر ، ولا يكون إلا فى المنزل ، ولكن والله ما أراهم يتركوننا. فما فرغا من كلامهما حتى أنشب المسلمون القتال ، فاقتتلوا قتالا شديدا فقتل فيه شهرك وابنه وقتل من المشركين مقتلة عظيمة ، وولى قتل شهرك الحكم بن أبى العاص أخو عثمان بن أبى العاص.
وذكر الطبرى عن أبى معشر : أن اصطخر الآخرة كانت سنة ثمان وعشرين ، وذلك فى وسط إمارة عثمان بن عفان ، رضياللهعنه.
وذكر أيضا بسنده إلى عبيد الله بن سليمان قال : كان عثمان بن أبى العاص أرسل إلى البحرين ، فأرسل أخاه الحكم فى ألفين إلى توج ، وكان كسرى قد فر عن المدائن ، ولحق بجور من أرض فارس.
قال الحكم : فقصد إلى شهرك ، وكان كسرى أرسله ، فهبطوا من عقبة ، عليهم الحديد ، فخشيت أن تغشى أبصار الناس ، فأمرت مناديا فنادى : أن من كانت له عمامة فليلقها على عينه ، ومن لم يكن له عمامة فليغمض بصره ، وناديت : أن حطوا عن دوابكم. فلما رأى شهرك ذلك حط أيضا ، ثم ناديت : أن اركبوا ، وصففنا لهم ، وركبوا ، فجعلت الجارود العبدى على الميمنة ، وأبا صفرة ، يعنى أبا المهلب ، على الميسرة ، فحملوا على المسلمين فهزموهم حتى ما أسمع لهم صوتا ، فقال لى الجارود : أيها الأمير ، الجند! فقلت : إنك سترى أمرك ، فما لبثنا أن رجعت خيلهم ، ليس عليهم فرسانهم ، والمسلمون يتبعونهم يقتلونهم ، فنثرت الرءوس بين يدى ، وأتيت برأس ضخم ، وكان معى بعض ملوكهم فارق كسرى ولحق بى ، فقال : هذا رأس الازدهاق ، يعنون شهرك ، فحوصروا فى مدينة سابور ، فصالحهم الحكم ، وكان ملكهم آذربيجان ، فاستعان به الحكم على قتال أهل اصطخر.