وعن رجل من بنى مازن قال : كان عمر ، رحمهالله ، قد بعث سارية بن زنيم الدؤلى إلى فسا ودارابجرد فحاصرهم ، ثم إنهم تداعوا فأصحروا له ، وكثروه وأتوه من كل جانب ، فقال عمر ، رضياللهعنه ، وهو يخطب فى يوم جمعة : يا سارية بن زنيم ، الجبل الجبل.
وفى غير هذا الحديث : ثم عاد عمر فى خطبته فعجب الناس لندائه سارية على بعده ، فقضى الله سبحانه أن كان سارية وأصحابه فى ذلك الوقت موافقين للمشركين ، وقد ضايقهم المشركون من كل جانب ، وإلى جانب المسلمين جبل ، إن لجئوا إليه لم يؤتوا إلا من وجه واحد ، فسمعوا صوتا يقول : يا سارية بن زنيم ، الجبل الجبل ، كما قال عمر ، رضياللهعنه ، وفى ذلك الوقت بعينه ، فلجئوا إلى الجبل ، فنجوا وهزموا عدوهم وأصابوا مغانم كثيرة.
قال المازنى فى حديثه : إن سارية أصاب فى المغانم سفطا فيه جوهر ، فاستوهبه المسلمون لعمر ، فوهبوه له ، فبعث به وبالفتح رجلا ، وقال له : استقرض ما تبلغ به وما تخلفه فى أهلك على جائزتك ، وكان الرسل والوفد يجازون ، فقدم الرجل البصرة ففعل ، ثم خرج فقدم على عمر ، رحمهالله ، فوجده يطعم الناس ، ومعه عصاه التي يزجر بها بعيره ، فقصده ، فأقبل عليه بها ، فقال : اجلس ، فجلس حتى إذا أكل انصرف عمر ، وقام الرجل فاتبعه ، فظن عمر أنه رجل لم يشبع ، فقال حين انتهى إلى باب داره : ادخل ، فلما جلس فى البيت أتى بغذائه ، خبز وزيت وملح وجريش ، فوضع له ، ثم قال للرجل : ادن فكل ، فأكلا.
حتى إذا فرغ قال له الرجل : رسول سارية بن زنيم يا أمير المؤمنين ، فقال : مرحبا وأهلا ، ثم أدناه حتى مست ركبته ركبته ، ثم سأله عن المسلمين ، ثم سأله عن سارية ، فأخبره ، ثم أخبره بقصة الدرج ، فنظر إليه ثم صاح به وقال : لا ولا كرامة حتى تقدم على ذلك الجيش فتقسمه بينهم ، وطرده ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إنى قد أنضبت إبلى واستقرضت على جائزتى ، فأعطنى ما أتبلغ به ، فما زال عنه حتى أبدله بعيرا ببعيره من إبل الصدقة ، وأخذ بعيره فأدخله فى إبل الصدقة ، ورجع الرجل مغضوبا عليه محروما حتى قدم البصرة ، فنفذ لما أمره به عمر ، رحمهالله ، وقد كان أهل المدينة سألوه عن سارية وعن الفتح ، وهل سمعوا شيئا يوم الوقعة؟ فقال : نعم سمعنا : يا سارية ، الجبل الجبل. وقد كدنا نهلك ، فلجأنا إليه ففتح الله علينا.