مملوء اليدين إلى الوليد ، فانصرف الوليد وقد ظفر وأصاب حاجته. فلما دخل الموصل راجعا أتاه كتاب من عثمان ، رحمهالله :
أما بعد ، فإن معاوية بن أبى سفيان كتب إلىّ يخبرنى أن الروم قد أجلبت على المسلمين بجموع كثيرة عظيمة ، وقد رأيت أن يمدهم إخوانهم من أهل الكوفة ، فإذا أتاك كتابى هذا فابعث رجلا ممن ترضى نجدته وبأسه وشجاعته وسخاءه وإسلامه فى ثمانية آلاف أو تسعة آلاف أو عشرة آلاف إليهم من المكان الذي يأتيك فيه رسولى ، والسلام.
فقام الوليد فى الناس ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، أيها الناس ، فإن الله قد أبلى المسلمين فى هذا الوجه بلاء حسنا ، فرد عليهم بلادهم التي كفرت ، وفتح بلادا لم تكن افتتحت ، وردهم سالمين غانمين مأجورين ، والحمد لله رب العالمين. وقد كتب إلىّ أمير المؤمنين أن أندب منكم ما بين العشرة الآلاف إلى ثمانية آلاف ، تمدون إخوانكم من أهل الشام ، فإنهم قد جاشت عليهم الروم ، وفى ذلك الأجر العظيم ، والفضل المبين ، فانتدبوا رحمكم الله مع سلمان بن ربيعة ، فانتدب الناس ، فلم يمض ثلاثة أيام حتى خرج فى ثمانية آلاف من أهل الكوفة ، فمضوا حتى دخلوا مع أهل الشام إلى أرض الروم ، فشنوا عليهم الغارات ، وأصابوا ما شاءوا من سبى ، وملأوا أيديهم من المغانم ، وافتتحوا بها حصونا كثيرة.
وكان على أهل الشام حبيب بن مسلمة ، وسلمان على أهل الكوفة ، وزعم الواقدى أن سعيد بن العاص هو الذي أمد حبيبا بسلمان ، وأن سبب ذلك أن عثمان ، رضياللهعنه ، أمر معاوية بإغزاء حبيب فى أهل الشام وأرمينية ، فوجهه إليها معاوية ، فبلغ حبيبا أن الموريان الرومى قد توجه نحوه فى ثمانين ألفا من الروم والترك ، فأعلم بذلك معاوية فكتب معاوية إلى عثمان ، فكتب عثمان إلى سعيد بإمداد حبيب ، فأمده بسلمان فى ستة آلاف ، وكان حبيب صاحب كيد ، فأجمع على أن يبيت الموريان ، فسمعته امرأته ، أم عبد الله بنت يزيد الكلبية ، يذكر ذلك ، فقالت له : فأين موعدك؟ قال : سرادق الموريان أو الجنة ، ثم بيتهم ، فقتل من اشرأب له ، وأتى السرادق فوجد امرأته قد سبقت ، فكانت أول امرأة من العرب ضرب عليها سرادق ، ثم مات عنها حبيب ، فخلف عليها الضحاك ابن قيس الفهرى ، فهى أم ولد.