قاصدا لكتابة شيء من الأشياء ، وإنما أراد بكلامه مجرد اختبارهم لا غير ، فهدى الله عمر الفاروق لذلك دون غيره من الصحابة ، فمنعهم من إحضارهما ، فيجب ـ على هذا ـ عد تلك الممانعة في جملة موافقاته لربه تعالى ، وتكون من كراماته رضياللهعنه.
قال «رحمهالله» : هكذا أجاب بعض الأعلام (ثم قال) : لكن الإنصاف أن قوله «عليهالسلام» : لا تضلوا بعده يأبى ذلك ، لأنه جواب ثان للأمر ، فمعناه : أنكم إن أتيتم بالدواة والبياض ، وكتبت لكم ذلك الكتاب لا تضلوا بعده ، ولا يخفى أن الإخبار بمثل هذا الخبر لمجرد الإختبار إنما هو من نوع الكذب الواضح ، الذي يجب تنزيه كلام الأنبياء عنه ، ولا سيما في موضع يكون ترك إحضار الدواة والبياض أولى من إحضارهما.
(قال) : على أن في هذا الجواب نظرا من جهات أخر ، فلا بد هنا من اعتذار آخر.
قال : وحاصل ما يمكن أن يقال : أن الأمر لم يكن أمر عزيمة وإيجاب ، حتى لا تجوز مراجعته ، ويصير المراجع عاصيا ، بل كان أمر مشورة ، وكانوا يراجعونه «عليهالسلام» في بعض تلك الأوامر ، ولا سيما عمر ، فإنه كان يعلم من نفسه أنه موفق للصواب في إدراك المصالح ، وكان صاحب إلهام من الله تعالى.
وقد أراد التخفيف عن النبي «صلىاللهعليهوآله» إشفاقا عليه من التعب الذي يلحقه بسبب إملاء الكتاب في حال المرض والوجع ، وقد رأى رضياللهعنه أن ترك إحضار الدواة والبياض أولى.
وربما خشي أن يكتب النبي «عليهالسلام» أمورا يعجز عنها الناس ،