الكتاب ، فلماذا بذر لهم بذرة القدح ، حيث عارض ومانع وقال : «هجر»؟!
وأما قولهم في تفسير قوله : «حسبنا كتاب الله» : إنه تعالى قال : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) (١) ، وقال عز من قائل : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (٢) فغير صحيح ، لأن الآيتين لا تفيدان الأمن من الضلال ، ولا تضمنان الهداية للناس ، فكيف يجوز ترك السعي في ذلك الكتاب اعتمادا عليهما؟ ولو كان وجود القرآن العزيز موجبا للأمن من الضلال ، لما وقع في هذه الأمة من الضلال والتفرق ما لا يرجى زواله (٣).
وقالوا في الجواب الأخير :
إن عمر لم يفهم من الحديث أن ذلك الكتاب سيكون سببا لحفظ كل
__________________
(١) الآية ٣٨ من سورة الأنعام.
(٢) الآية ٣ من سورة المائدة.
(٣) وأنت تعلم أن النبي «صلىاللهعليهوآله» لم يقل : أن مرادي أن أكتب الأحكام ، حتى يقال في جوابه : حسبنا في فهمها كتاب الله تعالى.
ولو فرض أن مراده كان كتابة الأحكام ، فلعل النص عليها منه كان سببا للأمن من الضلال ، فلا وجه لترك السعي في ذلك النص اكتفاء بالقرآن.
بل لو لم يكن لذلك الكتاب إلا الأمن من الضلال بمجرده ، لما صح تركه والإعراض عنه ، اعتمادا على أن كتاب الله جامع لكل شيء.
وأنت تعلم اضطرار الأمة إلى السنة المقدسة وعدم استغنائها عنها بكتاب الله ، وإن كان جامعا مانعا ، لأن الإستنباط منه غير مقدور لكل أحد ، ولو كان الكتاب مغنيا عن بيان الرسول «صلىاللهعليهوآله» لما أمر الله تعالى ببيانه للناس ، إذ قال عز من قائل : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (منه قدس).