وبكاء ابن عباس بعد ذلك لهذه الحادثة وعدّها رزية ، دليل على بطلان هذا الجواب.
قال المعتذرون : إن عمر كان موفقا للصواب في إدراك المصالح ، وكان صاحب إلهام من الله تعالى. وهذا مما لا يصغى إليه في مقامنا هذا ، لأنه يرمي إلى أن الصواب في هذه الواقعة إنما كان في جانبه ، لا في جانب النبي ، وأن إلهامه يومئذ كان أصدق من الوحي الذي نطق عنه الصادق الأمين «صلىاللهعليهوآله».
وقالوا : بأنه أراد التخفيف عنه «صلىاللهعليهوآله» إشفاقا عليه من التعب الذي يلحقه بسبب إملاء الكتاب في حال المرض ، وأنت تعلم : أن في كتابة ذلك الكتاب راحة قلب النبي ، وبرد فؤاده ، وقرة عينه ، وأمنه على أمته «صلىاللهعليهوآله» من الضلال.
على أن الأمر المطاع ، والإرادة المقدسة مع وجوده الشريف إنما هما له ، وقد أراد ـ بأبي وأمي ـ إحضار الدواة والبياض ، وأمر به ، فليس لأحد أن يرد أمره ، أو يخالف إرادته (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (١).
على أن مخالفتهم لأمره في تلك المهمة العظيمة ، ولغوهم ولغطهم واختلافهم عنده كان أثقل عليه وأشق من إملاء ذلك الكتاب الذي يحفظ أمته من الضلال ، وإذا كان خائفا من المنافقين أن يقدحوا في صحة ذلك
__________________
(١) الآية ٣ من سورة المائدة.