إنّي أصبحت ـ أو أمسَيتُ ـ اُشهدك ـ وكفىٰ بك شهيداً ـ واُشهد ملائكتك ، وحَمَلة عرشك ، وسكّان سماواتك وأراضيك وأنبياءك ورسُلكَ ، والصالحين من عبادك وجميع خلقك ، فاشهد لي ـ وكفىٰ بك شهيداً ، إني أشهد أنّك أنت الله ، لا إله إلّا أنت وحدك لا شريك لك ، وأنَّ محمّداً عبدك ورسولك ، صلواتك عليه وآله ، وأن كلّ معبود ممّا دون عرشك إلىٰ قرار أرضك السابعة السّفلىٰ باطلٌ مضمحل ، ما خلا وجهك الكريم فإنّه أعزّ وأكرم من أن يصف الواصفون كُنه جلاله ، أو تهتدي القلوب إلىٰ كنه عظمته.
يا مَن فاق مدح المادحين فخر مدحه ، وعدا وصف الواصفين مآثر حمده ، وجلّ عن مقالة الناطقين تعظيم شأنه ، صلّ علىٰ محمّد وآل محمّد ، وافعل بنا ما أنت أهله ، يا أهل التقوىٰ وأهل المغفرة ) (١).
فاعلم أنّه إذا تجلّىٰ تعالىٰ باسمه القهّار المفني في الطّامة الكبرىٰ التي قال تعالىٰ : ( إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا ) (٢) ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ ) (٣) ، وقال تعالىٰ : ( لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ) وحيث لم يبق أحد من المالكين المجازي ، إذ الكل يفنىٰ عند تجلّيه الأعظم ، ما من مجيب تعالىٰ ، فأجاب نفسه بقوله : ( لِلَّـهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) (٤).
وحينئذٍ يظهر أنّه تعالىٰ مالك ملك الوجود بالعيان والشهود ، وأنَّ ما سوىٰ الحق المعبود المحمود ـ ممّا استظل بظله الممدود ، وادّعىٰ مالكية سهم من الوجود ـ كان مثله ( كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّـهَ عِندَهُ ) (٥).
فكان السائل والمجيب في الآخر هو السائل والمجيب في الأوّل ـ يعني : في عالم الذرّ ـ إذ هنالك أيضاً حين قال تعالىٰ : ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) أجاب نفسه بقوله :
_____________________________
(١) « المصباح » للكفعمي ، ص ١٠٥ ، باختلاف يسير.
(٢) « المعارج » الآية : ٦ ـ ٧. |
(٣) « الزمر » الآية : ٦٨. |
(٤) « غافر » الآية : ١٦. |
(٥) « النور » الآية : ٣٩. |