العبارة عن ذلك بلفظ النسبة قلت : (جمّانيّ) و (لحيانيّ) و (رقبانيّ) ففصلوا بين لفظي النسبة لاختلاف المعنيين وكذلك في التصغير وأما جميع ذلك فكما ذكره سيبويه من جعلهم إياه أجزاء كأنهم جعلوا كل جزء منه (عشيّة) إذا كان أجزاؤها تتقضى أولا فأولا ، فيكون الباقي منها على غير حكم الأول ، ثم يشبه ذلك بأشياء مما جمع فيه الواحد كقولهم : (فّلان شابت مفارقه) وإنما له (مفرق) واحد.
وكما قالوا : (جمل ذو عثانين) كأنه جعل كل جزء (عثنونا) فجمعه وأنشدوا قول جرير :
قال العواذل ما لجهلك بعد ما |
|
شاب المفارق واكتسين قتيرا (١) |
وأما قولهم : (أصيلال) ففيه شذوذ من ثلاثة أوجه أحدها أنه أبدل اللام من النون في (أصيلان) و" أصيلان" تصغير (أصلان) و (أصلان) جمع (أصيل). كما تقول : (رغيف) و (رغفان) و (قفيز) و (قفزان) و (فعلان) من أبنية الجمع الكثير الذي لا يصغر لفظه وإنما يرده إلى واحده ، ألا ترى أنا لو صغرنا (سودانا) و (حمرانا) و (قضبانا) لو يجز أن تقول : (قضيبان) فنرده إلى واحده وهو (قضيب) ، فتصغره (قضيّب) ثم تدخل عليه الألف والتاء للجمع ، وكان حق (أصيل) إذا صغر أن يقال : (أصيّل) على لفظ الواحد فصار فيه من الشذوذ ثقل لفظ الواحد إلى الجمع وتصغير الجمع الذي لا يصغر مثله وإبدال اللام.
ثم ذكر سيبويه (غدوة) و (سحر) و (ضحى) وتصغيرهن على ما يوجبه القياس ليريك أنهن من غير باب (مغيربان) و (عشيّان) فقال : " تحقيرها (غديّة) و (سحير) و (ضحيّا).
وأنشد قول النابغة الجعدي :
كأنّ الغبار الّذي غادرت |
|
ضحيّا دواخن من تنضب (٢) |
وبيّن أن تصغير هذه (الأحيان) و (الساعات) ليست تريد بها تحقيرها في نفسها وإنما تريد أن تقرب (حينا) من (حين) وتقلل الذي بينهما كما فعلت ذلك في الأماكن حين قلت : (دوين ذلك) و (فويق ذلك) وقد مضى هذا. ومضى الكلام في (قبيل) و (بعيد) ونحو ذلك.
__________________
(١) البيت في ديوانه ٢٧٩ ، ومعجم الشواهد ١٤٥ ، والمقتضب ٣ / ٢٨٤.
(٢) البيت في ديوانه ١٦ ، واللسان (دخن)