" بجهد ما تبلغنّ" لما كان لا يبلغ إلا بجهد صار كأنه غير واجب ؛ لأنه لم يبلغ على كل حال وكذا بألم ما تختننه أي لا تختن إلا بشرط الألم وهذا المثل يضرب لمن يطلب أمرا لا يناله إلا بمشقة.
وقوله : (في عضة ما ينبتن شكيرها) يضرب مثلا لما كان له أصل وأمارة تدل على كون شيء آخر.
وقوله بعين" ما أرينك" كأنه يقول : أتحقق الذي أراه ولا أشك فيه فهو توكيد : ودخلت" ما" لأجل التوكيد في الأشياء فشبهت باللام.
وقد تدخل في الضرورة وليس معها لام.
قال الشاعر وهو جديمة الأبرش :
ربّما أوفيت في علم |
|
ترفعن ثوبي شمالات (١) |
وإنما حسن هذا لأن" ما" قد زيدت في" رب" و" ترفعن" من حملتها
وزعم يونس أنهم يقولون : (ربما تقولن ذاك) ، و (كثر ما تقولن ذاك) لأنه فعل غير واجب و" ما" لازمة.
ولا تقل : (رب تقولن) ، ولا (كثر تقولن) فأشبهت عندهم لام القسم فجاز دخول النون وليس بمنزلته في القسم ؛ لأن اللام إنما ألزمت اليمين ولا يجوز إطراحها. ولزمت النون اللام للعلة التي ذكرتها من الفصل لأن اللام إنما لزمت اليمين كما لزمت النون اللام وليس مع المقسم به بمنزلة حرف واحد ، ولو لم تلزم اللام لالتبس بالنفي إذا حلف أنه لا يفعل ف (ما) تجيء لنسهّل الفعل بعد (رب) فلا يشبه ذا القسم.
وذلك : " حيث ما تكونن آتك" ، لأنها سهلت الفعل أن يكون مجازاة.
وإنما كان ترك النون في هذا أجود ، لأن (ما) و (رب) بمنزلة حرف واحد نحو (قد) و (سوف) و (ما) و (حيث) بمنزلة (أين) واللام ليست مع المقسم به كحرف واحد وليست ك (ما) التي في : (بألم ما تختننه) لأنها ليست مع ما قبلها بمنزلة حرف واحد ؛ لأن اللام لا تسقط كما تسقطها من هذا إن شئت.
أما قوله : " فما" تجيء لتسهل الفعل ، بعد (رب) ، يريد أن (رب) لا تدخل على الفعل. فإذا دخلت ما عليها وليها الفعل وكذلك (حيث) لا يجازى بها فإذا دخلت عليها
__________________
(١) انظر ابن يعيش : ٩ / ٤٠ ، العيني : ٣ / ٣٤٤ ، المغني : ١٣٥ ، المؤتلف والمختلف : ٣٩.