لأنك لو أثبت النون التي هي للإعراب لقلت : (هل تتّبعاننّ) ، و (هل تضربوننّ زيدا) فتجتمع ثلاث نونات فحذفوها استثقالا لها ثم أسقطوا الواو في الجمع لاجتماع الساكنين وأسقطوا الياء في المؤنث لذلك فقالوا : (هل تضربنّ زيدا يا قوم) ، و (هل تضربنّ زيدا يا هند) واحتج سيبويه لاستثقالهم النونات أنهم حذفوها فيما هو أشد من ذا.
قال : بلغنا أن بعض القراء قال : (" أَتُحاجُّونِّي")(١) وكان يقرأ" فبم تبشروني" (٢) وهي قراءة أهل المدينة لأنهم استثقلوا التضعيف وقال عمرو بن معد يكرب :
تراه كالثّغام يعل مسكا |
|
يسؤ الغاليات إذا فليني (٣) |
والأصل (أتحاجّونني) ، و (فبم تبشّرونني) وإذا فلينني ، فأسقط أحد النونين فإذا كن ثلاثا فهي أثقل ، وينبغي أن تكون النون المحذوفة النون (التي مع الياء الثانية) لا التي مع الياء الأولى في (فلينني) فهي ضمير الفاعلات والنون الثانية لغير معنى لا يخل سقوطها بالكلام والنون الأولى في (أتحاجونني) و (تبشرونني) للرفع فتسقط الثانية.
وإنما تسقط لدخول النون الواو المضمومة ما قبلها والياء المكسور ما قبلها كما تسقط هذه الواو والياء إذا لقيهما ما فيه ألف الوصل أو الألف واللام كقولك : " أضربوا ابن زيد يا قوم" تسقط الواو في اللفظ ، و" اضربي ابن زيد يا هند" فتسقط الياء و" اضربوا القوم" و" اضربي القوم" فإن كان الواو والياء مفتوحا ما قبلهما لم يسقطا لدخول النون وحركتهما لاجتماع الساكنين كما تحركهما إذا كان بعدهما ألف وصل أو الألف واللام تقول إذا أدخت النون على (أرضوا واخشوا وارضي واخشي) (أرضونّ زيدا واخشونّ زيدا وأرضين زيدا وأخشين زيدا) كما تقول : (اخشوا القوم) و (اخشوا ابن زيد) و (أرض القوم) و (أرض ابن زيد).
قال المازني : فإن قال قائل : (هلا رددتم الساكن الذاهب في اخشوا وأخشى) حين تحركت الواو والياء في اخشون و (اخشين) والساكن الذاهب كان ألف" أخشى".
وإنما سقطت لسكونها وسكون الواو ، والياء ، في (اخشوا واخشى) فإذا تحركت الواو والياء ، فردوها ، كما قلتم قل ، فأسقطتم الواو لاجتماع الساكنين فإذا قيل : (قولن) رددتم الواو ولما تحركت اللام.
__________________
(١) سورة الأنعام ، الآية : ٨٠.
(٢) سورة الحجر ، الآية : ٥٤.
(٣) انظر ابن يعيش : ٣ / ٩١ ، الخزانة : ٢ / ٤٤٥ ، العيني : ١ / ٣٧٩ ، واللسان : (فلا).