قال أبو سعيد : اعلم أن ما كان في البدن منه واحد فضم إلى مثله من بدن آخر فإن الوجه الأكثر من كلام العرب جمعه قال الله تعالى : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) ويجوز تثنيته وتوحيده ، فأما جمعه فلأن التثنية جمع لأن أحدهما قد جمع مع الآخر وضم إليه ويستوي لفظ المثنى والجمع للمتكلم ، لأنه يقول : نحن فعلنا كذا إن كانوا اثنين أو جماعة فنحن للاثنين والجماعة والنون والألف للاثنين والجماعة ، وقد روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : (الاثنان فما فوقهما جماعة) (١) وقد قال الله عزوجل : (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ)(٢) والاثنان يوجبان لهما السدس فعلم أن الأخوة قد تقع على الاثنين وهو قول الجمهور من العلماء والحجة معهم. وقال أهل البصرة إنما اختاروا الجمع في هذا فرقا بين ما كان في البدن منه واحد إذا ضم إلى مثله من بدن آخر ، وبين ما كان في البدن منه اثنان إذا ضم أحدهما إلى مثله من بدن آخر يقول القائل : (قطعت أنف الزيدين) وهو أنف من هذا وأنف من هذا وتقول (قطعت أذني الزيدين) وهو إحدى الأذنين من هذا وإحدى الأذنين من هذا.
وقال الفراء : إنما جمعوا ذلك لأن الأعضاء أكثرها اثنان اثنان كالعينين والحاجبين والخدين والرجلين واليدين فإذا كان في البدن منه واحد أقيم مقام الاثنين فإذا ضممناه إلى الآخر صار كأنهما أربعة فجمعا لذلك ، ويقوى ما قاله أن الدية فيما كان في اليدين منه واحد دية كاملة وما كان منه اثنان فلكل واحد منهما نصف الدية ، وأما قوله عزوجل : (فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما)(٣) فجمع وفي البدن منه اثنان ؛ لأن القصد إلى أيمانهما. واليمين واحدة وكذلك في قراءة ابن مسعود (فاقطعوا أيديهما). وأما تثنيتهما فعلى حقيقة لفظ التثنية قال الشاعر :
ومهمهين قذفين مرتين |
|
ظهراهما مثل ظهور التّرسين (٤) |
__________________
(١) الحديث انظر البخاري (باب الآذان) رقم ٢٥٠ ، والنسائي (باب الإمامة) ٤٢ / ٤٥ ، ومسند أحمد بن حنبل : ٥ / ٢٥٤ ، ٢٦٩.
(٢) سورة النساء ، الآية : ١١.
(٣) سورة المائدة ، الآية : ٨٣.
(٤) البيتان من مشطور السريع الموقوف وقد نسبا إلى خطام المجاشعي. انظر أمالي ابن الشجري : ١ / ١٢ ، وابن يعيش : ٤ / ١٥٥ ، والخزانة : ٣ / ٣٧٤ ، والعيني : ٤ / ٨٩.