الآخر أن يكون مصدرا كسائر المصادر ، لا يراد حال الفاعل في فعله ، كقولك : درى فلان درية ، ولفلان شدّة وبأس ، وشعر فلان بالشّعر شعرة.
قال سيبويه : " وقالوا : ليت شعري في هذا الموضع استخفافا".
والأصل عنده (ليت شعرتي) ، يريد به معنى علمي ومعرفتي ، وما أشعره ، وأسقطت الهاء لكثرة استعمالهم ، وأنه صار كالمثل حتى لا يقال : ليت علمي ، وصار بمنزلة قولهم : ذهب فلان بعذرة امرأته إذا افتضّها ، ثم يقال للرجل إذا بنى بالمرأة : هذا أبو عذرها ، فيحذفون الهاء ؛ لأنه صار مثلا.
ويقولون : تسمع بالمعيديّ لا أن تراه ، وهو تصغير معدّيّ ، بتشديد الدال ، وكان حكمه معيّديّ ، بتشديد الدال والياء ، فخففوا الدال لأنه مثل. وتجيء فعلة مصدرا لما كان فاء الفعل منه واوا ، كقولهم : وزن وزنا وزنة ، ووعد وعدا وعدة ، ووثق به ثقة ، وأصله وزنة ووعدة ووثقة.
وتقول : هو بزنته ، تريد أنه بقدره ، ويقال : العدّة ، كما يقال : القتلة والضّعة والقحة ، ويقولون : وقاح بيّن القحة ، لا تريد شيئا من هذا ، كما تقول : الشدة والدّرية والرّدّة ، وأنت تريد الارتداد.
يريد أن القحة مصدر لا تريد به حال الفعل ، بل يكون بمنزلة الشدة والدّرية ، وأنشد بيتا فاسدا ذكر أن المازني لم يحسن أن يقرأه وهو :
فرحن ورحت إلى قليل |
|
ردّتي إلا أمامي |
ولم أعلم أن أحدا يرويه ، وهو مكسور ناقص ، فاستدللت منه على ما لو جعل تماما له لم يبعد ولم يخرج عما دل عليه بقية البيت وهو :
فرحن ورحت منه إلى ثقال |
|
قليل ردّتي إلا أمامي (١) |
كأن قائل هذا الشعر شيخ قد كبر ، فإذا ركب لم يمكنه أن يردّ ما يركبه إلى خلفه لعجزه ، والثّقال : البطيء الذي لا ينبعث ، فإذا لم يرجع إلى خلفه وهو على ثقال ، فهو إذا كان على غيره أبعد من الرجوع.
قال سيبويه : " وإذا أردت المرة الواحدة (من الفعل) جئت به أبدا على فعلة على
__________________
(١) انظر المخصص : ١٤ / ١٥٨ ـ ١٥٩ ، لأن القحة مصدر لا تريد به حال الفعل ، بل يكون بمنزلة الشّدّة والدّرية.