قال : " ومثل أدنفت أصبحنا وأمسينا وأفجرنا شبّهوه بهذه التي تكون في الأحيان ، كأن معناه دخلت في وقت الدّنف ، كما دخلت في وقت السّحر.
قال : " ومثل ذلك : نعم الله بك عينا ، وأنعم الله بك عينا"
فهذا من باب فعلت وأفعلت بمعنى واحد. ويقال : إن قوما من الفقهاء كانوا يكرهون استعمال هذه اللفظة ، وهي نعم الله بك عينا ؛ لأنه لا يستعمل في الله (عزوجل) نعم الله. وللقائل أن يقول : الباء في بك بمنزلة التعدي ، ألا ترى أنك تقول : ذهب الله به وأذهبه ، ومعناهما واحد.
وزلته من مكانه وأزلته ، وتقول : غفلت ، أي صرت غافلا ، وأغفلت إذا خبّرت بأنك تركت شيئا ، ووصلت غفلتك إليه.
وقد يقال : أغفلت الإنسان إذا وجدته غافلا ، كما يقال : أجبنته إذا وجدته جبانا ، وعلى ذلك يحمل قوله عز وجل : (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا)(١) ، أي وجدناه غافلا. وغفلت عنه بمعنى أغفلت.
ومثل ذلك : لطف له وألطف غيره ، ولطف به كغفل عنه ، وألطفه كأغفله. ولطف له بمعنى تلطّف به ورفق به.
ويقال : بصر الرجل فهو بصير ، إذا خبّرت عن وجود بصره وصحته لا على معنى وقوع الرؤية منه ؛ لأنه قد يقال بصير لمن غمّض عينه ولم ير شيئا لصحة بصره ، فإذا قلت : أبصر ، أخبرت بوقوع رؤيته على الشيء.
وتقول : وهم يهم ، وأوهم يوهم ، ووهم يوهم.
فأما وهم يوهم فهو الغلط في الشيء ، تقول : وهمت في الحساب أوهم وهما ، إذا غلطت فيه ، ووهمت إلى الشيء إذا ذهب قلبي إليه أهم وهما ، وأوهمت الشيء أوهمه إيهاما إذا تركته كلّه.
قال : " وقد يجيء فعّلت وأفعلت في معنى واحد مشتركين ، كما جاء فيما صيّرته فاعلا ، وذلك : وعزت إليه وأوعزت ، وخبّرت وأخبرت ، وسمّيت وأسميت".
فقد اشتركا في هذا كما اشتركا في باب نقل الفاعل إلى المفعول في قولك : غرّمته وأغرمته ، وفرّحته وأفرحته ، وليس هذا من ذلك.
__________________
(١) سورة الكهف ، الآية : ٢٨.