غاية دونه كما أنك إذا قلت ما أفعله فأنت تريد أن ترفعه عن الغاية الدنيا ، والمعنى في أفعل به وما أفعله واحد ، وكذلك أفعل منه"
وقد ذكرنا فيما تقدم أن التعجب يشترك فيه أربعة أشياء على لفظ ، فما جاز في واحد منها جاز في الباقي ، وذلك أنها مشتركة في رفع الشيء عن منزلة إلى ما فوقها ، وهو قولك : ما أفعله وأفعل به وهو أفعل منه وأفعل الناس.
تقول : " ما أظرف زيدا" و" أظرف بزيد" ، " وزيد أظرف من عمرو" ، " وزيد أظرف الناس" ، ولا يجوز أن تقول : " ما أبيض زيدا ولا أبيض بزيد" ، " ولا هو أبيض من عمرو ولا أبيض الناس" ، فما جاز في واحد منها جاز في الباقي ، وما لم يجز فيه لم يجز في الباقي وإنما اشتركت في البناء لاشتراكها في المعنى ، لأن التعجب والتفضيل إنما هو رفع الشيء عن منزلة ما دونه. فأما ما أفعل زيدا وأفعل به ففعلان ، وأما هو أفعل الناس وهو أفعل منه فاسمان.
قال : " وإنما دعاهم إلى ذلك أن هذا البناء داخل على الفعل ، ألا ترى قلّته في الأسماء وكثرته في الصفة لمضارعتها الفعل ، فلما كان مضارعا للفعل موافقا له في البناء كره فيه ما لا يكون في فعله"
يريد : إنما دعاهم إلى أن لا يقولوا : " أفعل منه فيما لا يقولون فيه ما أفعله أن أفعله فعل ، فإذا كان يمتنع في الفعل فهو في الاسم أشد امتناعا ؛ لأن أصل هذا البناء للفعل ، ومما يدل على أن أصله للفعل أن كل فعل مستقبله على" يفعل" فهو للمتكلم على أفعل مثل" أذهب" و" أصنع" ، وإنما لم يجز" ما أحمره" و" لا ما أبيضه" لعلتين :
إحداهما أن الخليل قال هذه خلق يخلق عليها الإنسان في لونه كما تخلق أعضاؤه كاليد والرجل ، فكما لا يقال ما (أيداه) ولا ما (أرجله) ، فكذلك لا يقال ما أبيضه ولا ما أحمره وإنما يقال ما أشدّ بياضه وما أشدّ حمرته ، والعلة الثنية أن فعل هذه الأشياء على أكثر من ثلاثة أحرف وإنما تدخل الهمزة زائدة في أول الفعل الثلاثي تنقل الفعل عن فاعله إلى فاعل آخر كقولك : " علم زيد" و" أعلم عمرو زيدا" ، وكذلك" دخل زيد" و" أدخل عمرو زيدا" ، وكذلك" حسن زيد" و" أحسن عمرو زيدا" ، أي صيّره حسنا. قال :
" ولا تكون هذه الأشياء في مفعال ولا فعول ، كما تقول : ضروب ورجل محسان ، لأن هذا في معنى ما أحسنه ، وإنما تريد أن تبالغ ولا تريد أن تجعله بمنزلة كل من وقع عليه ضارب وحسن."