" وتقول : ما أحظاها عندي ، أي حظيت عندي ، فكأن ما أمقته وما أشهاها على" فعل" وإن لم يستعمل ، كما تقول : ما أبغضه إليّ على بغض إليّ فيجيء على" فعل" و" فعل" وإن لم يستعمل كأشياء فبما مضى وأشياء ستراها".
قال أبو سعيد : اعلم أن سيبويه قد ذكر التعجب من المفعول في هذا الباب في أشياء تتكلم بها العرب ، والأصل أن المفعول لا يتعجّب منه لعلتين : إحداهما أن دخول الهمزة لنقل الفعل إنما تدخل على الفاعل كقولك : " لبس زيد وألبسه عمرو" ، و" دخل زيد وأدخله غيره" ، وقعد وأقعده غيره ، ولو قلت" ضرب زيد" لم تدخل عليه الهمزة لنقل الفعل ، وباب التعجب باب نقل فيه الفعل عن فاعله إلى فاعل آخر ، والوجه الآخر أنه لو تعجب من المفعول لوقي اللبس بينه وبين الفاعل ،
فقال سيبويه : ما تعجب منه من المفعول كأنه يقدّر له فعل فإذا قال : " ما أبغضه إليّ" فكأن فعله" بغض" ، وإذا قال : " ما أمقته عندي" فكأنه قال" مقت" ، وإذا قال : " ما أشهاه إليّ" كأنه قال" شهي" وإن لم يستعمل ، ويكون معنى شهى في هذا التقدير ، أي دعا إلى أن يشتهى بالأحوال التي تظهر فيه ، ويفرق بين الفاعل والمفعول في ذلك أنه يدخل مع الفعل حرف ومع المفعول حرف آخر ، فمن ذلك اللام التي تدخل مع الفاعل ، تقول : " ما أبغضني لزيد وما أمقتني له" ، وأنت المبغض والماقت ، وتقول للمفعول : " ما أبغضه إليّ وما أمقته عندي". ومثله هو" أكرم لي منك للفاعل" ، أي يكرمني أكثر من إكرامك ، وهو أكرم علي منك بمعنيين ، وما آنسك لي وما آنسك بي بمعنيين مختلفين. ومما لم يأت في هذا الباب" ما أجنّ زيدا" من الجنون وهو أجنّ من غيره ، وإنما الفعل المستعمل منه" جنّ" ، وكذلك ما أشغله وهو أشغل من غيره وهو أعذر من غيره وألوم من غيره وأعنى بالشيء من غيره ، وأعرف منه وأنكر منه. والفعل من ذلك كله يستعمل على ما لم يسمّ فاعله ، كقولك" شغل وعذر وليم وعني وأنكر" ، ولكنه يقدّر له فعل ينظّم به التعجب. وقد قال سيبويه في أول الكتاب : (وهم ببيانه) أعني على هذا الذي ذكرناه. وتقول : " ما أعجبني به وأعجبه إليّ" ، " وأسرني به وأسّره إليّ". وقولهم : " ما أبغضني له" يقوّي قول من يرى التعجب من أفعل ، لأن الفعل منه" أبغض"" يبغض" ، وروي ابن الإعرابي عن العرب عنيت به فأنا معني به ، وعنيت به فأنا به عن ، فإذا حمل قول سيبويه : (وهم ببيانه) ، أعني على هذه اللغة ، فهو على القياس المطرد.