الألف وتنحو به نحو الياء فتقول : يريد أن يضربها فتميل الباء والهاء والألف ، وإذا قلنا يضربها لم تكن إمالة الباء للضمة كما لا يكون في الواو الساكنة إمالة ، والياء قريبة الشّبه من الألف ، فلذلك كان المفتوح الذي قبل الهاء يمال كما يمال الحرف الذي قبل الألف وهو مفتوح.
" ولا تكون إمالة في لم يعلمها ولم يخفها لأنها ليست ها هنا ياء ولا كسرة تميل الألف ، وقالوا : فينا وملينا تميل الألف للياء حيث قربت من الألف. وقالوا : بيني وبينها ، وقالوا : رأيت يدا ويدها فأمالوا للياء كما قالوا يضربا ويضربها. وقال هؤلاء : رأيت دما ودمها فلم يميلوا ؛ لأنه لا كسرة فيه ولا ياء. وقال هؤلاء : عندها ؛ لأنه لو قال عند أمال لم يعتد بالهاء. قال سيبويه :
" واعلم أن الذين قالوا رأيت عدا الألف ألف نصب ويريد أن يضربها يقولون هو منّا و (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ)(١) وهم بنو تميم ، وبقوله أيضا قوم من قيس وأسد ، حدثنا بذلك من ترضى عربيته ، فقالوا : هو منّا وإنا لمختلفون ، فجعلها بمنزلة عدا وقال هؤلاء : رأيت عنبا فلم يميلوا لأنه وقع بين الكسرة والألف حاجزان قويان ، ولم يكن الذي قبل الألف هاء فتصير كأنها لم تذكر ، وقالوا في رجل اسمه ذه ذها أملت الألف كأنك قلت ذا في لغة من يقول : يضربا.
ومر بنا لقربها من الكسر كقرب ألف يضربا. واعلم أنه ليس كل من أمال الألف وافق غيره من العرب ممن يميل ، ولكنه قد يخالف كل واحد من الفريقين صاحبه فينصب بعض ما يميل صاحبه ، ويميل بعض ما ينصب صاحبه ، وكذلك من كان النصب من لغته لا يوافق غيره ممن ينصب ، ولكن أمره وأمر صاحبه كأمر الأول في الكسر ، فإذا رأيت عربيا كذلك فلا ترينّه خلّط في لغته."
قال أبو سعيد : يريد أن أمر العرب في الإمالة لا يطرد على قياس لا يخالفونه وكذلك ترك الإمالة لا يطرد. قال سيبويه :
" ومن قال رأيت يدا قال رأيت زينا" جمع زينة" فقوله ينا بمنزلة يدا ، وقال هؤلاء كسرت يدنا".
فلم يميلوا لأن بين الياء وبين الألف حرفين مفتوحين.
" فصار بمنزلة الكسرة في قولك : رأيت عنبا. واعلم أن من لا يميل الألف
__________________
(١) سورة البقرة : ١٥٦.