يريدون بجوازه تسلط المقرض على أخذ البدل إذا طالب به متى شاء ، وإذا أرادوا بالجواز هذا المعنى فلا مشاحة في الاصطلاح ، وان كان مغايرا لغيره من العقود الجائزة من هذا الوجه ، وحينئذ فلا اتفاق على جوازه بمعنى يثبت به المدعى ، إذ لا دليل صالحا على ثبوت الجواز له بذلك المعنى المشهور ، فيبقى للملك وما ثبت في الذمة حكمها الى ان ثبت خلافه وهذا هو الوجه انتهى (١).
وفيه أنك قد عرفت بما ذكرنا أن الاستصحاب ـ الذي أعتمده في بقاء الحكم الأول وهو الذي أشار إليه في آخر كلامه فيبقى للملك الى آخره ـ قد ارتفع وزال بالفسخ ، سواء فسر به الجواز أم لا والا لم يكن لهذا الفسخ أثر بالكلية ، والمعلوم من القواعد الشرعية خلافه.
__________________
(١) أقول : والتحقيق أن يقال ان قلنا بأن القرض من العقود الجائزة ـ كما هو المشهور بينهم ـ فإنه برجوع المالك في العين مع وجوده له أخذها ، لأنها وان كانت قد صارت ملكا للمقترض ، الا أنه ملك متزلزل مراعى بعدم مطالبة المالك بالعين ما دامت موجودة ، وحينئذ فيكون مثل الهبة على بعض الوجوه ، وكالبيع في زمن الخيار ، لان الفرض ان العقد جائز غير لازم ، وقضية جوازه ذلك.
وأما حكم الأكثر بجوازه مع المنع من الرجوع في العين ، وانما يرجع بالعوض الذي في الذمة ، فإنه يرد عليهم أن هذا مما يوجب كون العقد لازما لا جائزا ، وان قلنا بلزومه كما هو ظاهر الأدلة التي ذكرناها في الأصل ، فإنه برجوعه ليس له الا العوض الذي في الذمة ، لأن العين قد انتقلت منه بالعقد الى المقترض وخرجت عن ملكه ، فصار حقه العوض ، فلو طالبت فإنما حقه بالعوض.
وفسخه العقد على هذه الكيفية إنما يوجب العوض ، أما لو حصل التفاسخ من الطرفين والإقالة من الجانبين فالواجب دفع العين مع وجودها ، والا فالعوض ، لانه لا فرق بينه وبين سائر العقود اللازمة من بيع وغيره ، فكما أنه متى تفاسخ المتبايعان وحصلت الإقالة من عقد البيع فإنه يرجع كل عوض الى مالكه مع وجوده والا فعوضه من مثل أو قيمة ، فكذلك هنا والله العالم منه رحمهالله.