قال : فتجلى عن الرّشيد وقال لمسرور : أعطه على بيت مال السرور ألفي دينار ، وما كان البيتان يساويان عندي درهمين.
أخبرنا أبو علي محمّد بن الحسين الجازري ، حدثنا المعافى بن زكريّا ، حدثنا محمّد بن الحسن بن دريد ، حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال : دخلت على هارون الرّشيد ـ ومجلسه حافل ـ فقال : يا أصمعي ما أغفلك عنا ، وأجفاك لحضرتنا! قلت : والله يا أمير المؤمنين ، ما ألاقتني بلاد بعدك حتى أتيتك. قال : فأمرني بالجلوس ، فجلست وسكت عني ، فلما تفرق الناس ـ إلا أقلهم ـ نهضت للقيام ، فأشار إلى أن أجلس ، فجلست حتى خلا المجلس ، فلم يبق غيري وغيره ومن بين يديه من الغلمان ، فقال لي : يا أبا سعيد ، ما ألاقتني؟ قلت : أمسكتني يا أمير المؤمنين [وأنشدت] (٣) :
كفاك كف ما تليق درهما |
|
جودا وأخرى تعط بالسيف الدما |
فقال : أحسنت ، وهكذا فكن ووقرنا في الملأ ، وعلمنا في الخلاء ، وأمر لي بخمسة آلاف دينار.
أخبرني أحمد بن عبد الواحد الدّمشقيّ ، أخبرنا جدي أبو بكر محمّد بن أحمد ابن عثمان القسملي ، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن ربيعة القاضي ، حدثنا أحمد بن عبيد ، حدثنا الأصمعي قال : دخلت أنا وابن أبي حفص الشطرنجي على هارون الرّشيد ، فخرج علينا وهو كالمتغير النفس. فقال : يا أصمعي ، قلت : لبيك يا أمير المؤمنين. قال : فأيكما قال بيتا وأصاب به المعنى الذي في نفسي فله عشرة آلاف درهم ، قال ابن أبي حفص : قد حضرني بيت يا أمير المؤمنين ، قال : هاته. فأنشأ يقول :
مجلس يألف السرور إليه |
|
لمحب ريحانه ذكراك |
فقال : أحسنت والله ، يا فضل أعطه عشرة آلاف درهم ، ثم قال ابن أبي حفص : قد حضرني بيت ثان يا أمير المؤمنين ، قال : هاته ، فأنشأ يقول :
كلما دارت الزجاجة زادت |
|
ه حنينا ، ولوعة فبكاك |
قال : أحسنت والله ، يا فضل أعطه عشرة آلاف درهم ، قال الأصمعي : فنزل بي في ذلك اليوم ما لم ينزل قط مثله ، إن ابن أبي حفص يرجع بعشرين ألف درهم وبفخر
__________________
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.