ذلك المجلس ، وأرجع صفرا منهما جميعا! ثم حضرني بيت فقلت : يا أمير المؤمنين قد حضرني ثالث ، فقال هاته ، فأنشأت أقول :
لم ينلك المنى بأن تحضريني |
|
وتجافت أمنيتي عن سواك |
فقال : أحسنت والله ، يا فضل أعطه عشرين ألف درهم ، ثم قال هارون : قد حضرني رابع ، فقلنا : إن رأى أمير المؤمنين أن ينشدنا فعل. فأنشأ يقول :
فتمنيت أن يغشيني الل |
|
ه نعاسا لعل عيني تراك |
قال : فقلنا : يا أمير المؤمنين أنت والله أشعر منا ، فجوائزنا لأمير المؤمنين ، فقال : جوائز كما لكما. وانصرفا.
أخبرنا التّنوخيّ والجوهريّ. قالا : أخبرنا محمّد بن عمران المرزباني ، حدثنا أبو الحسن علي بن سليمان الأخفش قال : قال محمّد بن حبيب : حدثنا أبو عكرمة عامر ابن عمران الضّبّيّ ، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الموصليّ قال : دخلت على أمير المؤمنين الرّشيد يوما ، فقال : أنشدني من شعرك ، فأنشدته :
وآمرة بالبخل قلت لها اقصري |
|
فذلك شيء ما إليه سبيل |
أرى الناس خلان الجواد ولا أرى |
|
بخيلا له في العالمين خليل |
ومن خير حالات الفتى ـ لو علمته |
|
إذا نال خيرا أن يكون ينيل |
عطائي عطاء المكثرين تكرما |
|
ومالي ـ كما قد تعلمين ـ قليل |
وإني رأيت البخل يزري بأهله |
|
ويحقر يوما أن يقال بخيل |
وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغني |
|
ورأى أمير المؤمنين جميل؟ |
قال : لا ، كيف إن شاء الله ، يا فضل أعطه مائة ألف درهم ، لله در أبيات تأتينا بها ما أحسن فصولها ، وأثبت أصولها. فقلت : يا أمير المؤمنين كلامك أجود من شعري. قال : أحسنت ، يا فضل أعطه مائة ألف أخرى.
أخبرني الأزهري ، أخبرني أحمد بن إبراهيم ، حدثنا إبراهيم بن محمّد بن عرفة ، أخبرني أبو العبّاس المنصوري عن عمرو بن بحر قال : اجتمع للرشيد ما لم يجتمع لأحد من جد وهزل. وزراؤه البرامكة ، لم ير مثلهم سخاء وسروا ، وقاضيه أبو يوسف ، وشاعره مروان بن أبي حفصة ، كان في عصره كجرير في عصره ، ونديمه عم أبيه العبّاس بن محمّد صاحب العبّاسية ، وحاجبه الفضل بن الرّبيع أتيه الناس ، وأشدها تعاظما ، ومغنيه إبراهيم الموصليّ ، واحد عصره في صناعته ، وضاربه زلزل ، وزامره