فجلس وجلسنا ، فقال المأمون ليحيى : مالي أراك متغيرا؟ قال : هو غم يا أمير المؤمنين لما حدث في الإسلام ، قال : وما حدث فيه؟ قال النداء بتحليل الزنا. قال : الزنا؟ قال : نعم المتعة زنا ، قال : ومن أين قلت هذا؟ قال : من كتاب الله ، وحديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم. قال الله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) إلى قوله : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) [المؤمنون ١ : ٧] يا أمير المؤمنين زوجة المتعة ملك يمين؟ قال : لا! قال : فهي الزوجة التي عنى الله ترث وتورث ، ويلحق الولد ، ولها شرائطها؟ قال : لا! قال : فقد صار متجاوز هذين من العادين ، وهذا الزّهريّ يا أمير المؤمنين روى عن عبد الله والحسن ابني محمّد بن الحنفية عن أبيهما محمّد بن علي عن علي بن أبي طالب قال : أمرني رسول الله صلىاللهعليهوسلم بأن أنادي بالنهي عن المتعة وتحريمها ، بعد أن كان أمر بها. فالتفت إلينا المأمون ، فقال: أمحفوظ هذا من حديث الزّهريّ؟ فقلنا : نعم يا أمير المؤمنين ، رواه جماعة. منهم مالك. فقال : أستغفر الله ، نادوا بتحريم المتعة ، فنادوا بها. قال الصولي : فسمعت إسماعيل بن إسحاق يقول ـ وقد ذكر يحيى بن أكثم ـ فعظم أمره وقال : كان له يوم في الإسلام لم يكن لأحد مثله ، وذكر هذا اليوم. فقال له رجل : فما كان يقال؟ قال : معاذ الله أن تزول عدالة مثله بتكذيب باغ وحاسد ، وكانت كتبه في الفقه أجل كتب ، فتركها الناس لطولها.
أخبرنا محمّد بن الحسين بن محمّد المتوثي ، أخبرنا محمّد بن الحسن بن زياد النقاش أن أحمد بن يحيى ثعلبا أخبرهم قال : أخبرنا أبو العالية الشّاميّ ـ مؤدّب ولد المأمون ـ قال : لقى رجل يحيى بن أكثم ـ وهو يومئذ على قضاء القضاة ـ فقال له أصلح الله القاضي ، كم آكل؟ قال : فوق الجوع ودون الشبع. قال : فكم أضحك؟ قال : حتى يسفر وجهك ولا يعلو صوتك قال : فكم أبكي؟ قال : لا تمل البكاء من خشية الله تعالى. قال : فكم أخفي من عملي؟ قال : ما استطعت. قال : فكم أظهر منه؟ قال : ما يقتدي بك البر الخير ، ويؤمن عليك قول الناس. فقال الرجل : سبحان الله ، قول قاطن وعمل ظاعن.
قلت : وكان المتوكّل على الله لما استخلف صيّر يحيى بن أكثم في مرتبة أحمد بن أبي دؤاد وخلع عليه خمس خلع ، وولى يحيى وعزل مدة ، ثم جعل في مرتبته جعفر بن عبد الواحد الهاشميّ.