إني قد خدمتك وقد وجب حقي عليك ، وقيل لي إنك تعرف اسم الله الأعظم ، وقد عرفتني ولا تجد له موضعا مثلي ، فأحب أن تعلمني إياه. قال : فسكت عني ذو النون ولم يجبني ، وكأنه أومأ إلى أنه يخبرني. قال : فتركني بعد ذلك ستة أشهر ، ثم أخرج إلى من بيته طبقا ومكبة مشدودا في منديل ، وكان ذو النون يسكن في الجيزة. فقال : تعرف فلانا صديقنا من الفسطاط؟ قلت : نعم قال : فأحب أن تؤدي هذا إليه. قال : فأخذت الطبق وهو مشدود وجعلت أمشي طول الطريق وأنا متفكر فيه ، مثل ذي النون يوجه إلى فلان بهدية ترى أيش هي قال : فلم أصبر إلى أن بلغت الجسر فحللت المنديل وشلت المكبة ، فإذا فأرة قفزت من الطبق ومرت ، قال : فاغتظت غيظا شديدا! وقلت : ذو النون يسخر بي ويوجه مع مثلي فأرة إلى فلان ، فرجعت على ذلك الغيظ. فلما رآني عرف ما في وجهي. قال : يا أحمق إنما جربناك ائتمنتك على فأرة فخنتني ، أفائتمنك على اسم الله الأعظم؟ وقال : مر عني فلا أراك شيئا آخر.
أخبرنا أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري النّيسابوريّ قال : سمعت أبا حاتم محمّد بن أحمد بن يحيى السجستاني يقول : سمعت أبا نصر السراج يقول : حكى لي بعض إخواني عن أبي الحسين الدراج قال : قصدت يوسف بن الحسين الرّازيّ من بغداد ، فلما دخلت الري سألت عن منزله ، فكل من أسأل عنه يقول لي أيش تفعل بذاك الزنديق؟ فضيقوا صدري حتى عزمت على الانصراف ، فبت تلك الليلة في مسجد ثم قلت جئت هذا البلد فلا أقل من زيارة ، فلم أزل أسأل عنه حتى وقعت إلى مسجده وهو قاعد في المحراب وبين يديه رجل عليه مصحف يقرأ ، وإذا هو شيخ بهي حسن الوجه واللحية. فدنوت وسلمت ، فرد السلام ، وقال : من أين؟ فقلت : من بغداد قصدت زيارة الشيخ. فقال : لو أن في بعض البلدان قال لك إنسان أقم عندي حتى اشتري لك دارا وجارية أكان يمنعك عن زيارتي؟ فقلت : يا سيدي ما امتحنني الله بشيء من ذاك ، ولو كان لا أدري كيف كنت أكون؟ فقال : تحسن أن تقول شيئا؟ فقلت : نعم! وقلت :
رأيتك تبني دائبا في قطيعتي |
|
ولو كنت ذا حزم لهدمت ما تبني |
فأطبق المصحف ولم يزل يبكي حتى ابتلت لحيته وثوبه حتى رحمته من كثرة بكائه ، ثم قال لي : يا بني تلوم أهل الري على قولهم يوسف بن الحسين زنديق ، ومن وقت الصّلاة هو ذا أقرأ القرآن لم يقطر من عيني قطرة ، وقد قامت عليّ القيامة بهذا البيت.