ولقصد إدماج التهديد بما سيشاهدون من عذاب أعدّ لهم فيندمون على تفريطهم في مدة حياتهم.
وضمير الجمع في (ارْجِعُونِ) تعظيم للمخاطب. والخطاب بصيغة الجمع لقصد التعظيم طريقة عربية ، وهو يلزم صيغة التذكير فيقال في خطاب المرأة إذا قصد تعظيمها : أنتم. ولا يقال : أنتن. قال العرجي :
فإن شئت حرّمت النساء سواكم |
|
وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا |
فقال : سواكم ، وقال جعفر بن علبة الحارثي من شعراء الحماسة :
فلا تحسبي أني تخشعت بعدكم |
|
لشيء ولا أني من الموت أفرق |
فقال : بعدكم ، وقد حصل لي هذا باستقراء كلامهم ولم أر من وقّف عليه.
وجملة الترجي في موضع العلة لمضمون (ارْجِعُونِ).
والترك هنا مستعمل في حقيقته وهو معنى التخلية والمفارقة. وما صدق (فِيما تَرَكْتُ) عالم الدنيا. ويجوز أن يراد بالترك معناه المجازي وهو الإعراض والرفض ، على أن يكون ما صدق الموصول الإيمان بالله وتصديق رسوله ، فذلك هو الذي رفضه كل من يموت على الكفر ، فالمعنى : لعلي أسلم وأعمل صالحا في حالة إسلامي الذي كنت رفضته ، فاشتمل هذا المعنى على وعد بالامتثال واعتراف بالخطإ فيما سلف. وركب بهذا النظم الموجز قضاء لحق البلاغة.
و (كَلَّا) ردع للسامع ليعلم إبطال طلبة الكافر.
وقوله : (إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) تركيب يجري مجرى المثل وهو من مبتكرات القرآن. وحاصل معناه : أن قول المشرك (رَبِّ ارْجِعُونِ) إلخ لا يتجاوز أن يكون كلاما صدر من لسانه لا جدوى له فيه ، أي لا يستجاب طلبه به.
فجملة (هُوَ قائِلُها) وصف ل (كَلِمَةٌ) ، أي هي كلمة هذا وصفها. وإذ كان من المحقق أنه قائلها لم يكن في وصف (كَلِمَةٌ) به فائدة جديدة فتعين أن يكون الخبر مستعملا في معنى أنه لا وصف لكلمته غير كونها صدرت من في صاحبها.
وبذلك يعلم أن التأكيد بحرف (إن) لتحقيق المعنى الذي استعمل له الوصف.
والكلمة هنا مستعمل في الكلام كقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «أصدق كلمة قالها شاعر كلمة