المسلمين.
والإخبار في قوله : (إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي) إلى قوله : (سِخْرِيًّا) مستعمل في كون المتكلم عالما بمضمون الخبر بقرينة أن المخاطب يعلم أحوال نفسه. وتأكيد الخبر ب (إن) وضمير الشأن للتعجيل بإرهابهم.
وجملة (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ) خبر (إن) الأولى لزيادة التأكيد. وتقدم نظيره في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) في سورة الكهف [٣٠].
والسخري بضم السين في قراءة نافع والكسائي وأبي جعفر وخلف ، وبكسر السين في قراءة الباقين ، وهما وجهان ومعناهما واحد عند المحققين من أئمة اللغة لا فرق بينهما خلافا لأبي عبيدة والكسائي والفراء الذين جعلوا المكسور مأخوذا من سخر بمعنى هزأ ، والمضموم مأخوذا من السخرة بضم السين وهي الاستخدام بلا أجر. فلما قصد منه المبالغة في حصول المصدر أدخلت ياء النسبة كما يقال : الخصوصية لمصدر الخصوص.
وسلط الاتخاذ على المصدر للمبالغة كما يوصف بالمصدر. والمعنى : اتخذتموهم مسخورا بهم ، فنصب (سِخْرِيًّا) على أنه مفعول ثان ل (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ).
و (حَتَّى) ابتدائية ومعنى (حتى) الابتدائية معنى فاء السببية فهي استعارة تبعية. شبه التسبب القوي بالغاية فاستعملت فيه (حتى). والمعنى : أنكم لهوتم عن التأمل فيما جاء به القرآن من الذكر ، لأنهم سخروا منهم لأجل أنهم مسلمون فقد سخروا من الدين الذي كان اتباعهم إياه سبب السخرية بهم فكيف يرجى من هؤلاء التذكر بذلك الذكر وهو من دواعي السخرية بأهله. وتقدم الكلام على فعل (سخر) عند قوله : (فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ) في سورة الأنعام [١٠] وقوله : (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ) في سورة براءة [٧٩].
فإسناد الإنساء إلى الفريق مجاز عقلي لأنهم سببه ، أو هو مجاز بالحذف بتقدير : حتى أنساكم السخري بهم ذكري. والقرينة على الأول معنوية وعلى الثاني لفظية.
وقوله : (أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ) قرأه الجمهور بفتح همزة (أن) على معنى المصدرية والتأكيد ، أي جزيتهم بأنهم. وقرأه حمزة والكسائي بكسر همزة (إن) على التأكيد فقط فتكون استئنافا بيانيا للجزاء.
وضمير الفصل للاختصاص ، أي هم الفائزون لا أنتم.