اشتملت عليها السورة : من الهدى إلى التوحيد ، وحقية الإسلام ، ومن حجج وتمثيل ، وما في دلائل صنع الله على سعة قدرته وعلمه وحكمته ، وهي ما أشار إليه قوله : (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) [النور : ٣٤] وقوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً) إلى قوله : (صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [النور : ٤٣ ـ ٤٦].
ومن الآيات البينات التي أنزلت فيها اطلاع الله رسوله على دخائل المنافقين مما كتموه في نفوسهم من قوله : (وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ) إلى قوله : (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) [النور : ٤٨ ـ ٥٣] فحصل التنويه بمجموع السورة ابتداء والتنويه بكل جزء منها ثانيا.
فالآيات جمع آية وهي قطعة من الكلام القرآني دالة على معنى مستقل وتقدم بيانها في المقدمة الثامنة من مقدمات هذا التفسير.
فالمراد من الآيات المنزلة في هذه السورة جميع ما اشتملت عليه من الآيات لا آيات مخصوصة من بينها. والمقصود التنويه بآياتها بإجراء وصف (بَيِّناتٍ) عليها.
وإذا كانت الآيات التي اشتملت السورة على جميعها هي عين السورة لا بعضا منها إذ ليس ثم شيء غير تلك الآيات حاو لتلك الآيات حقيقة ولا مشبه بما يحوي ، فكان حرف (في) الموضوع للظرفية مستعملا في غير ما وضع له لا حقيقة ولا استعارة مصرحة.
فتعين أن كلمة (فِيها) تؤذن باستعارة مكنية بتشبيه آيات هذه السورة بأعلاق نفسية تكتنز ويحرص على حفظها من الإضاعة والتلاشي كأنها مما يجعل في خزانة ونحوها. ورمز إلى المشبه به بشيء من روادفه وهو حرف الظرفية فيكون حرف (في) تخييلا مجردا وليس باستعارة تخيلية إذ ليس ثم ما يشبه بالخزانة ونحوها ، فوزان هذا التخييل وزان أظفار المنية في قول أبي ذؤيب الهذلي :
وإذا المنية أنشبت أظفارها |
|
ألفيت كل تميمة لا تنفع |
وهذه الظرفية شبيهة بالإضافة البيانية مثل قوله تعالى : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) [المائدة : ١] وقوله : (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ) [القمر : ٤٣] فإن الكفار هم عين ضمير الجماعة المخاطبين وهم المشركون.
فقوله : (وَأَنْزَلْنا فِيها) هو : بمعنى وأنزلناها آيات بينات. ووصف (آياتٍ) ب (بَيِّناتٍ) أي واضحات ، مجاز عقلي لأن البيّن هو معانيها ، وأعيد فعل الإنزال مع إغناء