وفيه بحث طويل ، ليس هذا محله.
وأنه لا تردد في أن هذه الآية نزلت بعد تحريم الزنى إذ كان تحريم الزنى من أول ما شرع من الأحكام في الإسلام كما في الآيات الكثيرة النازلة بمكة ، وحسبك أن الأعشى عدّ تحريم الزنى في عداد ما جاء به النبي صلىاللهعليهوسلم من التشريع إذ قال في قصيدته لما جاء مكة بنية الإسلام ومدح النبي صلىاللهعليهوسلم فصده أبو جهل فانصرف إلى اليمامة ومات هناك قال :
أجدّك لم تسمع ووصاة محمد |
|
نبيء الإله حين أوصى وأشهدا |
إلى أن قال ....
ولا تقربنّ جارة إنّ سرها |
|
عليك حرام فانكحن أو تأبدا (١) |
وقد ذكرنا ذلك في تفسير سورة الإسراء.
وأنه يلوح في بادئ النظر من ظاهر الآية أن صدرها إلى قوله أو (مُشْرِكٌ) إخبار عن حال تزوج امرأة زانية وأنه ليس لتشريع حكم النكاح بين الزناة المسلمين ، ولا نكاح بين المشركين. فإذا كان إخبارا لم يستقم معنى الآية إذ الزاني قد ينكح الحصينة والمشرك قد ينكح الحصينة وهو الأكثر فلا يستقيم لقوله تعالى : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) معنى ، وأيضا الزانية قد ينكحها المسلم العفيف لرغبة في جمالها أو لينقذها من عهر الزنى وما هو بزان ولا مشرك فلا يستقيم معنى لقوله : (وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) وإننا لو تنازلنا وقبلنا أن تكون لتشريع حكم فالإشكال أقوى إذ لا معنى لتشريع حكم نكاح الزاني والزانية والمشرك والمشركة فتعين تأويل الآية بما يفيد معنى معتبرا.
والوجه في تأويلها : أن مجموع الآية مقصود منه التشريع دون الإخبار لأن الله تعالى قال في آخرها (وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ). ولأنها نزلت جوابا عن سؤال مرثد تزويجه عناق وهي زانية ومشركة ومرثد مسلم تقي. غير أن صدر الآية ليس هو المقصود بالتشريع بل هو تمهيد لآخرها مشير إلى تعليل ما شرع في آخرها ، وفيه ما يفسر مرجع اسم الإشارة الواقع في قوله : (وَحُرِّمَ ذلِكَ). وأن حكمها عام لمرثد وغيره من المسلمين بحق عموم لفظ (الْمُؤْمِنِينَ).
وينبني على هذا التأصيل أن قوله : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) تمهيد
__________________
(١) أي تعزب.