تقدم آنفا. وشرع هذا الجلد عقابا للرامي بالكذب أو بدون تثبت ولسد ذريعة ذلك.
وأسند فعل (يَرْمُونَ) إلى اسم موصول المذكر وضمائر (تابُوا) ـ و (أَصْلَحُوا) وكذلك وصف (الْفاسِقُونَ) بصيغ التذكير ، وعدي فعل الرمي إلى مفعول بصيغة الإناث كل ذلك بناء على الغالب أو على مراعاة قصة كانت سبب نزول الآية ولكن هذا الحكم في الجميع يشمل ضد أهل هذه الصيغة في مواقعها كلها بطريق القياس. ولا اعتداد بما يتوهم من فارق إلصاق المعرة بالمرأة إذا رميت بالزنى دون الرجل يرمى بالزنى لأن جعل العار على المرأة تزني دون الرجل يزني إنما هو عادة جاهلية لا التفات إليها في الإسلام فقد سوى الإسلام التحريم والحد والعقاب الآجل والذم العاجل بين المرأة والرجل.
وقد يعد اعتداء الرجل بزناه أشد من اعتداء المرأة بزناها لأن الرجل الزاني يضيع نسب نسله فهو جان على نفسه ، وأما المرأة فولدها لا حق بها لا محالة فلا جناية على نفسها في شأنه ، وهما مستويان في الجناية على الولد بإضاعة نسبه فهذا الفارق الموهوم ملغى في القياس.
أما عدم قبول شهادة القاذف في المستقبل فلأنه لما قذف بدون إثبات قد دل على تساهله في الشهادة فكان حقيقا بأن لا يؤخذ بشهادته.
والأبد : الزّمن المستقبل كله. واسم الإشارة للإعلان بفسقهم ليتميزوا في هذه الصفة الذميمة.
والحصر في قوله : (وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) للمبالغة في شناعة فسقهم حتى كأن ما عداه من الفسوق لا يعد فسقا.
والاستثناء في قوله : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) حقه أن يعود إلى جميع ما تقدم قبله كما هو شأن الاستثناء عند الجمهور إلا أنه هنا راجع إلى خصوص عدم قبول شهادتهم وإثبات فسقهم وغير راجع إلى إقامة الحد ، بقرينة قوله : (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) ، أي بعد أن تحققت الأحكام الثلاثة فالحد قد فات على أنه قد علم من استقراء الشريعة أن الحدود الشرعية لا تسقطها توبة مقترف موجبها وقال أبو حنيفة وجماعة : الاستثناء يرجع إلى الجملة الأخيرة جريا على أصله في عود الاستثناء الوارد بعد جمل متعاطفة.
والتوبة : الإقلاع والندم وظهور عزمه على أن لا يعود لمثل ذلك. وقد تقدم ذكر التوبة في سورة النساء [١٧] عند قوله تعالى : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ) الآيات. وليس من