هذا تخصيص للعمومين الذين في قوله : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) [النور : ٤] فإن من المحصنات من هن أزواج لمن يرميهن ، فخصّ هؤلاء الذين يرمون أزواجهم من حكم قوله : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) إلخ إذ عذر الأزواج خاصة في إقدامهم على القول في أزواجهم بالزنى إذا لم يستطيعوا إثباته بأربعة شهداء.
ووجه عذرهم في ذلك ما في نفوس الناس من سجية الغيرة على أزواجهم وعدم احتمال رؤية الزنى بهن فدفع عنهم حد القذف بما شرع لهم من الملاعنة.
وفي هذا الحكم قبول لقول الزوج في امرأته في الجملة إذا كان متثبتا حتى أن المرأة بعد أيمان زوجها تكلف بدفع ذلك بأيمانها وإلا قبل قوله فيها مع أيمانه فكان بمنزلة شهادة أربعة فكان موجبا حدها إذا لم تدفع ذلك بأيمانها.
وعلة ذلك هو أن في نفوس الأزواج وازعا يزعهم عن أن يرموا نساءهم بالفاحشة كذبا وهو وازع التعير من ذلك ووازع المحبة في الأزواج غالبا ، ولذلك سمى الله ادعاء الزوج عليها باسم الشهادة بظاهر الاستثناء في قوله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) ، وفي نفوسهم من الغيرة عليهن ما لا يحتمل معه السكوت على ذلك ، وكانوا في الجاهلية يقتلون على ذلك وكان الرجل مصدقا فيما يدعيه على امرأته. وقد قال سعد بن عبادة «لو وجدت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح». ولكن الغيرة قد تكون مفرطة وقد يذكيها في النفوس تنافس الرجال في أن يشتهروا بها ، فمنع الإسلام من ذلك إذ ليس من حق أحد إتلاف نفس إلا الحاكم. ولم يقرر جعل أرواح الزوجات تحت تصرف مختلف نفسيات أزواجهن.
ولما تقرر حد القذف اشتد الأمر على الأزواج الذين يعثرون على ربية في أزواجهم. ونزلت قضية عويمر العجلاني مع زوجه خولة بنت عاصم ويقال بنت قيس وكلاهما من بني عم عاصم بن عدي من الأنصار. روى مالك في «الموطأ» عن سهل بن سعد أن عويمرا العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري فقال له : يا عاصم أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ سل لي يا عاصم رسول الله عن ذلك. فسأل عاصم رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن ذلك فكره رسول الله المسائل وعابها حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله. فلما رجع عاصم إلى أهله جاءه عويمر فقال : يا عاصم ما ذا قال لك رسول الله؟ فقال عاصم لعويمر : لم تأتني بخير ، قد كره رسول الله المسألة التي سألته عنها. فقال عويمر : والله لا أنتهي حتى أسأله عنها. فقام عويمر حتى أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم