للتنبيه على أن الكلام في هذا وكينونة الخوض فيه حقيق بالانتفاء. وذلك أن قولك : ما يكون لي أن أفعل ، أشد في نفي الفعل عنك من قولك : ليس لي أن أفعل. ومنه قوله تعالى حكاية عن عيسى عليهالسلام (قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍ) [المائدة : ١١٦].
وهذا مسوق للتوبيخ على تناقلهم الخبر الكاذب وكان الشأن أن يقول القائل في نفسه : ما يكون لنا أن نتكلم بهذا ، ويقول ذلك لمن يجالسه ويسمعه منه. فهذا زيادة على التوبيخ على السكوت عليه في قوله تعالى : (وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ) [النور : ١٢].
و (سُبْحانَكَ) جملة إنشاء وقعت معترضة بين جملة : (ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا) وجملة : (هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ). و (سُبْحانَكَ) مصدر وقع بدلا من فعله ، أي نسبح سبحانا لك. وإضافته إلى ضمير الخطاب من إضافة المصدر إلى مفعوله ، وهو هنا مستعار للتعجب كما تقدم عند قوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) [الإسراء: ١] وقوله : (وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) في سورة يوسف [١٠٨]. والأحسن أن يكون هنا لإعلان المتكلم البراءة من شيء بتمثيل حال نفسه بحال من يشهد الله على ما يقول فيبتدئ بخطاب الله بتعظيمه ثم بقول : (هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ) تبرّئا من لازم ذلك وهو مبالغة في إنكار الشيء والتعجب من وقوعه.
وتوجيه الخطاب إلى الله في قوله : (سُبْحانَكَ) للإشعار بأن الله غاضب على من يخوض في ذلك فعليهم أن يتوجهوا لله بالتوبة منه لمن خاضوا فيه وبالاحتراز من المشاركة فيه لمن لم يخوضوا فيه.
وجملة : (هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ) تعليل لجملة : (ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا) فهي داخلة في توبيخ المقول لهم.
ووصف البهتان بأنه (عَظِيمٌ) معناه أنه عظيم في وقوعه ، أي بالغ في كنه البهتان مبلغا قويا.
وإنما كان عظيما لأنه مشتمل على منكرات كثيرة وهي : الكذب ، وكون الكذب يطعن في سلامة العرض ، وكونه يسبب إحنا عظيمة بين المفترين والمفترى عليهم بدون عذر ، وكون المفترى عليهم من خيرة الناس وانتمائهم إلى أخير الناس من أزواج وآباء وقرابات ، وأعظم من ذلك أنه اجتراء على مقام النبي صلىاللهعليهوسلم ومقام أم المؤمنين رضي الله