دينار وابن عباس والضحاك وعطاء وعكرمة والظاهرية أن الكتابة واجبة على السيد إذا علم خيرا في عبده وقد وكله الله في ذلك إلى علمه ودينه ، واختاره الطبري وهو الراجح لأنه يجمع بين مقصد الشريعة وبين حفظ حق السادة في أموالهم فإذا عرض العبد اشتراء نفسه من سيده وجب عليه إجابته. وقد هم عمر بن الخطاب أن يضرب أنس بن مالك بالدرّة لما سأله سيرين عبده أن يكاتبه فأبى أنس. وذهب الجمهور إلى حمل الأمر على الندب.
وقد ورد في السنة حديث كتابة بريرة مع سادتها وكيف أدت عنها عائشة أم المؤمنين مال الكتابة كله. وذكر ابن عطية عن النقاش ومكي بن أبي طالب أن سبب نزول هذه الآية : أن غلاما لحويطب بن عبد العزى أو لحاطب بن أبي بلتعة اسمه صبيح القبطي أو صبح سأل مولاه الكتابة فأبى عليه فأنزل الله هذه الآية فكاتبه مولاه. وفي «الكشاف» أن عمر بن الخطاب كاتب عبدا له يكنى أبا أمية وهو أول عبد كوتب في الإسلام.
والظاهر أن الخطاب في قوله : (وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ) موجه إلى سادة العبيد ليتناسق الخطابان وهو أمر للسادة بإعانة مكاتبيهم بالمال الذي أنعم الله به عليهم فيكون ذلك بالتخفيف عنهم من مقدار المال الذي وقع التكاتب عليه. وكذلك قال مالك : يوضع عن المكاتب من آخر كتابته ما تسمح به نفس السيد. وحدده بعض السلف بالربع وبعضهم بالثلث وبعضهم بالعشر.
وهذا التخفيف أطلق عليه لفظ (الإيتاء) وليس ثمة إيتاء ولكنه لما كان إسقاطا لما وجب على المكاتب كان ذلك بمنزلة الإعطاء كما سمي إكمال المطلّق قبل البناء لمطلقته جميع الصداق عفوا في قوله تعالى : (أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) [البقرة : ٢٣٧] في قول جماعة في محمل (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) منهم الشافعي.
وقال بعض المفسرين : الخطاب في قوله : (وَآتُوهُمْ) للمسلمين. أمرهم الله بإعانة المكاتبين.
والأمر محمول على الندب عند أكثر العلماء وحمله الشافعي على الوجوب. وقال إسماعيل بن حماد القاضي : وجعل الشافعي الكتابة غير واجبة وجعل الأمر بالإعطاء للوجوب فجعل الأصل غير واجب والفرع واجبا وهذا لا نظير له ا ه. وفيه نظر.
وإضافة المال إلى الله لأنه ميسر أسباب تحصيله. وفيه إيماء إلى أن الإعطاء من ذلك المال شكر والإمساك جحد للنعمة قد يتعرض به الممسك لتسلب النعمة عنه.