الصفات دون أن يشبه نوره بطلوع الشمس بعد ظلمة الليل لقصد إكمال مشابهة الهيئة المشبه بها بأنها حالة ظهور نور يبدو في خلال ظلمة فتنقشع به تلك الظلمة في مساحة يراد تنويرها. ودون أن يشبه بهيئة بزوغ القمر في خلال ظلمة الأفق لقصد إكمال المشابهة لأن القمر يبدو ويغيب في بعض الليلة بخلاف المصباح الموصوف. وبعد هذا فلأن المقصود ذكر ما حف بالمصباح من الأدوات ليتسنى كمال التمثيل بقبوله تفريق التشبيهات كما سيأتي وذلك لا يتأتى في القمر.
والمثل : تشبيه حال بحال ، وقد تقدم في أوائل سورة البقرة. فمعنى (مَثَلُ نُورِهِ) : شبيه هديه حال مشكاة .. إلى آخره ، فلا حاجة إلى تقدير : كنور مشكاة ، لأن المشبه به هو المشكاة وما يتبعها.
وقوله : (كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ) المقصود كمصباح في مشكاة. وإنما قدم المشكاة في الذكر لأن المشبه به هو مجموع الهيئة ، فاللفظ الدال على المشبه به هو مجموع المركب المبتدئ بقوله : (كَمِشْكاةٍ) والمنتهي بقوله : (وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) فلذلك كان دخول كاف الشبه على كلمة مشكاة دون لفظ (مِصْباحٌ) لا يقتضي أصالة لفظ مشكاة في الهيئة المشبه بها دون لفظ (مِصْباحٌ) بل موجب هذا الترتيب مراعاة الترتيب الذهني في تصور هذه الهيئة المتخيلة حين يلمح الناظر إلى انبثاق النور ثم ينظر إلى مصدره فيرى مشكاة ثم يبدو له مصباح في زجاجة.
والمشكاة المعروف من كلام أهل اللغة أنها فرجة في الجدار مثل الكوة لكنها غير نافذة فإن كانت نافذة فهي الكوة. ولا يوجد في كلام الموثوق عنهم من أهل العربية غير هذا المعنى ، واقتصر عليه الراغب وصاحب «القاموس» و «الكشاف» واتفقوا على أنها كلمة حبشية أدخلها العرب في كلامهم فعدت في الألفاظ الواقعة في القرآن بغير لغة العرب. ووقع ذلك في «صحيح البخاري» فيما فسره من مفردات سورة النور.
ووقع في «تفسير الطبري» وابن عطية عن مجاهد : أن المشكاة العمود الذي فيه القنديل يكون على رأسه ، وفي «الطبري» عن مجاهد أيضا : المشكاة الصفر (أي النحاس أي قطعة منه شبيه القصيبة) الذي في جوف القنديل. وفي معناه ما رواه هو عن ابن عباس : المشكاة موقع الفتيلة ، وفي معناه أيضا ما قاله ابن عطية عن أبي موسى الأشعري : المشكاة الحديدة والرصاصة التي يكون فيها الفتيل في جوف الزجاجة. وقول الأزهري : أراد قصبة الزجاجة التي يستصبح فيها وهي موضع الفتيلة.