الانتقالي كشأنها إذا عطفت الجمل الاستفهامية فإنها إذا عطفت الجمل لم تكن لطلب التعيين كما هي في عطف المفردات لأن المتعاطفات بها حينئذ ليست مما يطلب تعيين بعضه دون بعض ، وأما معنى الاستفهام فملازم لها لأنه يقدر بعد (أَمِ).
والانتقال هنا تدرج في عدّ أخلاقهم. فالمعنى أنه إن سأل سائل عن اتصافهم بخلق من هذه المذكورات علم المسئول أنهم متصفون به ، فكان الاستفهام المكرر ثلاث مرات مستعملا في التنبيه مجازا مرسلا ، ومنه قوله تعالى : (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها) في سورة الأعراف [١٩٥].
والقلوب : العقول. والمرض مستعار للفساد أو للكفر قال تعالى : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً) [البقرة : ١٠] أو للنفاق.
وأتي في جانب هذا الاستفهام بالجملة الاسمية للدلالة على ثبات المرض في قلوبهم وتأصله فيها بحيث لم يدخل الإيمان في قلوبهم.
والارتياب : الشك. والمراد : ارتابوا في حقيّة الإسلام ، أي حدث لهم ارتياب بعد أن آمنوا إيمانا غير راسخ.
وأتي في جانبه بالجملة الفعلية المفيدة للحدوث والتجدد ، أي حدث لهم ارتياب بعد أن اعتقدوا الإيمان اعتقادا مزلزلا. وهذا يشير إلى أنهم فريقان : فريق لم يؤمنوا ولكنهم أظهروا الإيمان وكتموا كفرهم ، وفريق آمنوا إيمانا ضعيفا ثم ظهر كفرهم بالإعراض.
والحيف : الظلم والجور في الحكومة. وجيء في جانبه بالفعلين المضارعين للإشارة إلى أنه خوف في الحال من الحيف في المستقبل كما يقتضيه دخول (أَنْ) ، وهي حرف الاستقبال ، على فعل (يَحِيفَ). فهم خافوا من وقوع الحيف بعد نشر الخصومة فمن ثمة أعرضوا عن التحاكم إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم.
وأسند الحيف إلى الله ورسوله بمعنى أن يكون ما شرعه الإسلام حيفا لا يظهر الحقوق. وهذا كناية عن كونهم يعتقدون أنه غير منزل من الله وأن يكون حكم الرسول بغير ما أمر الله ، فهم يطعنون في الحكم وفي الحاكم وما ذلك إلا لأنهم لا يؤمنون بأن شريعة الإسلام منزلة من الله ولا يؤمنون بأن محمدا عليه الصلاة والسلام مرسل من عند الله ، فالكلام كناية عن إنكارهم أن تكون الشريعة إلهية وأن يكون الآتي بها صادقا فيما أتى به.