واعلم أن المنافقين اتصفوا بهذه الأمور الثلاثة وكلها ناشئة عن عدم تصديقهم الرسول سواء في ذلك من حلت به قضية ومن لم تحل.
وفيما فسرنا به قوله تعالى : (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ما يثلج صدر الناظر ويخرج به من سكوت الساكت وحيرة الحائر.
و (بَلْ) للإضراب الانتقالي من الاستفهام التنبيهي إلى خبر آخر. ولم يؤت في هذا الإضراب ب (أَمِ) لأن (أَمِ) لا بد معها من معنى الاستفهام ، وليس المراد عطف كونهم ظالمين على الاستفهام المستعمل في التنبيه بل المراد به إفادة اتصافهم بالظلم دون غيرهم لأنه قد اتضح حالهم فلا داعي لإيراده بصيغة استفهام التنبيه. وليست (بَلْ) هنا للإبطال لأنه لا يستقيم إبطال جميع الأقسام المتقدمة فإن منها مرض قلوبهم وهو ثابت ، ولا دليل على قصد إبطال القسم الأخير خاصة ، ولا على إبطال القسمين الآخرين.
وجملة : (أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) مستأنفة استئنافا بيانا لأن السامع بعد أن طنت بأذنه تلك الاستفهامات الثلاثة ثم أعقبت بحرف الإضراب يترقب ما ذا سيرسي عليه تحقيق حالهم فكان قوله : (أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) بيانا لما يترقبه السامع.
والمعنى : أنهم يخافون أن يحيف الرسول عليهم ويظلمهم. وليس الرسول بالذي يظلم بل هم الظالمون. فالقصر الحاصل من تعريف الجزأين ومن ضمير الفصل حصر مؤكّد ، أي هم الظالمون لا شرع الله ولا حكم رسوله.
وزاد اسم الإشارة تأكيدا للخبر فحصل فيه أربعة مؤكدات : اثنان من صيغة الحصر إذ ليس الحصر والتخصيص إلا تأكيدا على تأكيد ، والثالث ضمير الفصل ، والرابع اسم الإشارة.
واسم الإشارة الموضوع للتمييز استعمل هنا مجازا لتحقيق اتصافهم بالظلم ، فهم يقيسون الناس على حسب ما يقيسون أنفسهم ، فلما كانوا أهل ظلم ظنوا بمن هو أهل الإنصاف أنه ظالم كما قال أبو الطيب :
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه |
|
وصدق ما يعتاده من توهم |
ولا تعلق لهذه الآية بحكم من دعي إلى القاضي للخصومة فامتنع لأن الذم والتوبيخ فيها كانا على امتناع ناشئ عن كفرهم ونفاقهم.