تقسموا إذ لا حاجة إلى القسم لعدم الشك في أمركم.
ويحتمل أن يكون النهي مستعملا في التسوية مثل (فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ) [الطور : ١٦].
ويحتمل أن يكون النهي مستعملا في حقيقته والمقسم عليه محذوف ، أي لا تقسموا على الخروج من دياركم وأموالكم فإن الله لا يكلفكم بذلك. ومقام مواجهة نفاقهم يقتضي أن تكون هذه الاحتمالات مقصودة.
وقوله : (طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) كلام أرسل مثلا وتحته معان جمة تختلف باختلاف الاحتمالات المتقدمة في قوله : (لا تُقْسِمُوا).
وتنكير (طاعَةٌ) لأن المقصود به نوع الطاعة وليست طاعة معينة فهو من باب : تمرة خير من جرادة ، و (مَعْرُوفَةٌ) خبره.
فعلى احتمال أن يكون النهي عن القسم مستعملا في النهي عن تكريره يكون المعنى من قبيل التهكم ، أي لا حرمة للقسم فلا تعيدوه فطاعتكم معروفة ، أي معروف وهنها وانتفاؤها.
وعلى احتمال استعمال النهي في عدم المطالبة باليمين يكون المعنى : لما ذا تقسمون أفأنا أشك في حالكم فإن طاعتكم معروفة عندي ، أي أعرف عدم وقوعها ، والكلام تهكم أيضا.
وعلى احتمال استعمال النهي في التسوية فالمعنى : قسمكم ونفيه سواء لأن أيمانكم فاجرة وطاعتكم معروفة.
أو يكون (طاعَةٌ) مبتدأ محذوف الخبر ، أي طاعة معروفة أولى من الأيمان ، ويكون وصف (مَعْرُوفَةٌ) مشتقا من المعرفة بمعنى العلم ، أي طاعة تعلم وتتحقق أولى من الأيمان على طاعة غير واقعة ، وهو كالعرفان في قولهم : لا أعرفنك تفعل كذا.
وإن كان النهي مستعملا في حقيقته فالمعنى : لا تقسموا هذا القسم ، أي على الخروج من دياركم وأموالكم لأن الله لا يكلفكم الطاعة إلا في معروف ، فيكون وصف (مَعْرُوفَةٌ) مشتقا من العرفان ، أي عدم النكران كقوله تعالى : (وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ) [الممتحنة : ١٢].