والجهد ـ بفتح الجيم وسكون الهاء ـ منتهى الطاقة. ولذلك يطلق على المشقة كما
في حديث بدء الوحي «فغطني حتى بلغ منّي الجهد» لأن الأمر الشاق لا يعمل إلا بمنتهى الطاقة. وهو مصدر «جهد» كمنع متعديا إذا أتعب غيره.
ونصب (جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) يجوز أن يكون على الحال من ضمير (أَقْسَمُوا) على تأويل المصدر باسم الفاعل كقوله (لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) [الأعراف : ١٨٧] ، أي جاهدين. والتقدير : جاهدين أنفسهم ، أي بالغين بها أقصى الطاقة وهذا على طريقة التجريد. ومعنى ذلك : أنهم كرّروا الأيمان وعدّدوا عباراتها حتى أتعبوا أنفسهم ليوهموا أنهم صادقون في أيمانهم. وإضافة (جَهْدَ) إلى (أَيْمانِهِمْ) على هذا الوجه إضافة على معنى (من) ، أي جهدا ناشئا عن أيمانهم.
ويجوز أن يكون (جَهْدَ) منصوبا على المفعول المطلق الواقع بدلا من فعله. والتقدير: جهدوا أيمانهم جهدا. والفعل المقدر في موضع الحال من ضمير (أَقْسَمُوا). والتقدير : أقسموا يجهدون أيمانهم جهدا. وإضافة (جَهْدَ) إلى (أَيْمانِهِمْ) على هذا الوجه من إضافة المصدر إلى مفعوله ؛ جعلت الأيمان كالشخص الذي له جهد ، ففيه استعارة مكنية ، ورمز إلى المشبه به بما هو من روادفه وهو أن أحدا يجهده ، أي يستخرج منه طاقته فإن كل إعادة لليمين هي كتكليف لليمين بعمل متكرر كالجهد له ، فهذا أيضا استعارة.
وتقدم الكلام على شيء من هذا عند قوله تعالى : (أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) في سورة العقود [٥٣] وقوله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ) في سورة الأنعام [١٠٩].
وجملة : (لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ) إلخ بيان لجملة : (أَقْسَمُوا). وحذف مفعول (أَمَرْتَهُمْ) لدلالة قوله : (لَيَخْرُجُنَ). والتقدير : لئن أمرتهم بالخروج ليخرجن.
فأمر الله رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يقول لهم هذه الكلمات ذات المعاني الكثيرة وهي (لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ). وذلك كلام موجه لأن نهيهم عن أن يقسموا بعد أن صدر القسم يحتمل أن يكون نهيا عن إعادته لأنهم كانوا بصدد إعادته ، بمعنى : لا حاجة بكم إلى تأكيد القسم ، أي فإن التأكيد بمنزلة المؤكد في كونه كذبا.
ويحتمل أن يكون النهي مستعملا في معنى عدم المطالبة بالقسم ، أي ما كان لكم أن